عندما يتوقف التكييف في منزلك عن العمل، ويفرض سيطرته وسطوته عليك ويرغمك على الذهاب فوراً لجلب فني تصليح المكيفات، ويأتي الرجل، ويقف وسط غرفة نومك مثلاً، ويقضي وقتاً وهو يقلب ناظريه في فتحات وجنبات هذا الجهاز الصلف، ثم يستأذنك للصعود فوق سطح المنزل، ليطل أو ليأخذ نظرة على المحرك أو الكمبريسر، ثم يعود أدراجه ليخبرك بأن الجهاز سليم، فقط يحتاج إلى تعبئة غاز.. تنظر إلى الرجل، ثم تقلب عينيك في وجوه من حولك من أبنائك الذين تصلبوا مثلك، ينظرون فقد لا يملكون ما يفعلونه، وتقول في نفسك: ما هذا الاختراع الرهيب الذي يقوم به هذا الرجل الغريب، ولا أستطيع أنا أو أحد من أبنائي القيام به، ما هذا الإبداع، ما هذا العمل الخارق، الذي لا يوجد إلى حتى هذه الساعة من يقوم به بين كل الذين يذهبون ويجيئون يومياً إلى المدارس، محملين بأطنان من الكتب ومعها الواجبات دون جدوى.. لماذا لا نعلم أطفالنا شيئاً يفيدهم، ويغنيهم عن الاستعانة بآخرين؟ لماذا لا يكون العمل الفني جزءاً مهماً من مقررات المدارس، ليخرج لدينا فنيون في مختلف المجالات التي تهم حياتنا اليومية، ولنتحرر من هذا البؤس والاتكالية، ونتخلص من أمية أشيائنا الصغيرة، وذات الأهمية القصوى.. نتحدث عن التعليم والمناهج وكل شيء توفره الدولة لأجل إنجاح العملية التعليمية، لكن واضعي المناهج لا يريدون الخروج من التقليدية، ولا ينوون تحرير طلابنا من المناهج التقريرية، والنظرية، التي لا تخدم إلا جزءاً من حياتنا، وباقي الأجزاء وهي المفصلية تبقى في عهدة آخر لو فكر أن يعاقبنا، يستطيع أن يحرمنا من قطرة ماء أو نسمة هواء، لأنه يملك ما يعطيه ونحن نفقد كل المعطيات، لأننا لا نريد أن نتعلم من دروس التاريخ غير أحداث وسوالف مضت، بينما التجارب العملية فنحن نخشاها، ولا نريد الاقتراب منها، لأن هناك مقاومة نفسية داخلية، تجرنا إلى الخلف وتقول لنا: مثل هذه التخصصات لا تخصنا، بل هي من شأن الآخرين.
ولكن، ومع كل هذه المشاعر السلبية، إلا أنني أتمنى أن يخرج علينا المسؤولون عن التربية والتعليم، بقرارات صارمة ومدهشة، قرارات تخص التعليم الفني والمستقبل والذي هو المصير، وهو الانعتاق الحقيقي من وهدة الاعتماد على الآخرين.. أتمنى أن نفكر كما يفكر غيرنا، وأبناؤنا يملكون من القدرات ما يؤهلهم لأن يستجيبوا لكل معطيات العصر، وحاجة المجتمع ومتطلباته الأساسية، أتمنى ذلك، وبلادنا بفضل قيادتنا الرشيدة حققت أمنيات أصعب، وبإمكان المسؤولين عن التربية أن يواكبوا ما ذهبت إليه البلاد من قفزات حضارية مذهلة.
والله يوفق الجميع..


marafea@emi.ae