هل يحتاج المبدعون العرب إلى ثورة؟ هل رأيتم يوماً ما مبدعاً عربياً يسير في مظاهرة؟ هل يجيد الهتاف في الشوارع؟ هل يمكن لمبدع أن يرفع زميله على أكتافه؟ هل يجيد الصراخ في وجه شرطي الإبداع والثقافة؟ هل يعتقد المبدع أن دوره ليس الاحتجاج في الشارع، ولكن في مساحاته الخاصة، القصة، القصيدة، الرواية، اللوحة، المسرح، المقالة؟ إنه يحتجّ منذ مئات السنين، هل أثمرت احتجاجاته؟ هل أتت أُكلها؟ هل يعتقد المبدع العربي أن هؤلاء المتحركين في المظاهرات هم محصلة نتاجاته؟ هل يعتقد أنه غرس الوعي سنوات طويلة وها هم الناس يخرجون ليعبروا عن آرائهم، مشحونين بأفكار المبدعين وتجلياتهم؟! ضد من يثور المبدع؟ ضد دور النشر التي تمتص دمه ولا تقوم بواجبها الرئيس؟ ضد مؤسسات توزيع الأعمال الإبداعية التي تفضل توزيع كتب الطبخ على رواية أو ديوان شعر أو كتاب في النقد أو الفكر؟ ضد المؤسسة الثقافية العربية التي يديرها أناس لا علاقة لهم بالثقافة أو الإبداع؟ ضد المؤسسة الثقافية التي تنسى مبدعيها ولا تعتبرهم ثروة وطنية أو قومية؟ ضد المؤسسة والصالونات الثقافية التي تنبهر بالأجنبي وترى الإبداع دائما في الآخر الذي لا تراه أمام عينها؟ ضد رؤساء اتحادات الكتاب الذين يمارسون ممارسات زعماء السلطة، فيبهرجون ويلمعون أنفسهم ولا يفوتون مهرجاناً أو ندوة أو مؤتمراً إلا ويرشحون أنفسهم لحضورها؟ ضد المهرجانات الثقافية التي لم تغيّر ضيوفها منذ سنوات طويلة؟ ضد الملاحق الثقافية في السفارات العربية الذين تحولوا إلى ياقات منشّاة ومدمني مناسبات ولا يقدمون شيئاً يذكر للثقافة العربية ومبدعيها؟ ضد معارض الكتب التي تنسى ملامح أمكنتها ومبدعي أمكنتها ومثقفي ساحاتها، وكأنها قامت بواجبها واستهلكت شخصيات أمكنتها وأشبعتهم حضوراً وتكريماً وأمسيات؟ ضد المحررين الثقافيين الذين يغطون الأنشطة الثقافية كما يغطون شخصاً ميتاً دهسته سيارة في شارع ناء؟ ضد الملاحق الثقافية التي تغرد خارج السرب؟ ضد الفضائيات العربية التي دخلت في دائرة التسلية والترويج (للخفايف)؟ ضد مناهج اللغة العربية الضعيفة؟ ضد أنفسهم كمبدعين استكانوا للمناصب وللمنجز؟ ضد أنفسهم وهم يأنفون من الاطلاع على تجارب زملائهم؟ ضد أنفسهم وهم يمارسون تطرفاً ثقافياً فينحازون انحيازاً تاماً إلى جانب الحداثة أو الكلاسيكية أو التراث أو المعاصرة؟ ضد أنفسهم وهم يمارسون النميمة والحقد والحسد والبخل والمصادرة؟ على المبدع العربي أن يثور على كل ما سلف، بما فيهم نفسه، بل إن ثورته على نفسه قد تأتي في المقام الأول، ألا يعيش في وهم إنجازه، وأن يوسع قلبه ويفتح نوافذه لنسائم إبداعات الآخرين. قد لا يستطيع المبدع العربي الخروج في مظاهرة للمطالبة بحقه المشروع بشأن ما ذكرت، لكنه يستطيع أن يقاطع هذا الهذر الفارغ، شكلاً ومضموناً. akhattib@yahoo.com