في فرنسا قررت إحدى الشركات المنتجة للسيارات وقف إعلان لها، كان يظهر رجلا ينبهر بطراز معين من سياراتها لدرجة أنه ينسى أبناءه· وقد جاء قرار الشركة بعد وفاة عدد من الأطفال تركهم ذووهم في سيارات متنوعة· وقالت متحدثة باسم الشركة في باريس، '' وجدنا أن هذه الحملة الإعلانية غير مقبولة بالنظر إلى الأحداث الأخيرة''، في إشارة منها لوفيات الأطفال· وفي الإعلان التلفزيوني المعني يظهر أب شديد الانبهار بطراز سيارته لدرجة أنه ينسى أطفاله داخلها ولا يوصلهم إلى مدرستهم· أسوق هذه الواقعة نموذجا لما يفترض أن يكون من احترام وتقدير من قبل المعلن نحو الجمهور، خاصة عندما يكون هذا المعلن منتجا ومصنعا لسلعة على صلة مباشرة بصحة وسلامة أفراد المجتمع· عندنا تخاطب بعض شركات إنتاج السيارات جمهورها وخاصة من الشباب نحو كل ما قد يؤدي بهم إلى التهلكة، وأقصر وسائلها السرعة· فهي تزين لهم القيادة بطيش والقيام بمغامرات في الصحاري واختراق القنوات المائية وتحدي الصخور والجبال· وربما أسخف إعلان يمكن ذكره كمثال في هذا المجال ذلك الخاص بإعلان سيارة تتحول إلى تمساح وطائرة من أجل التدليل على سرعتها الجنونية وقوة تحملها· وأتذكر هنا تجربة ارتدت على وكيلها عندما دعت مجموعة من الصحفيين إلى رحلة في الصحراء لاستعراض قدرات طراز جديد من سيارات دفع رباعي من النوع الفاخر· وفي صحراء دبي غرزت جميع السيارات في الرمال التي لم تخرج منها إلا ''قلصا''!!· نعود إلى موضوعنا وهذه الهوة السحيقة بين الرسالة الإعلانية وواقع صناعة وسوق السيارات، حيث نجد أن مصنعيها ووكلاءها يرون أن لا عيب يمكن أن يظهر في السيارة طالما هي من الوكالة· ولا نجد أيا منهم يتحدث معلقا على انشطار السيارات أو انفجار خزانات الوقود في الحوادث، وأبواب المركبات التي لا تنفتح وأكياس هواء تتعطل عند الارتطام، وغيرها من العيوب· بل إن استخفاف بعض الوكلاء بشكاوى الجمهور تصل حدا غريبا، فقد سمعت أحدهم يقول ذات مرة عبر برنامج للبث المباشر من إحدى إذاعاتنا معلقا على ظهور عيوب في إطارات طراز جديد من سياراته بأن العيب في الحرارة العالية على طرقاتنا!· مندوب لوكيل آخر لم يتردد في التعليق على شلل كامل أصاب سيارة فاخرة من صناعة أوروبية بأن ''الأمر عادي لأن السيارة مصممة هكذا، ولا تعمل إذا زاد معدل تساقط الأمطار على مليمترات حددها الحبيب· ردود في منتهى الاستخفاف بعقول ومصالح الآخرين· تابعت أمس الأول تحذيرات مدير فرع تحقيق الحوادث الجسيمة في إدارة المرور والتراخيص في شرطة أبوظبي حول خلل مقومات السلامة في بعض المركبات الحديثة وما يمكن أن تعرض معها أصحابها إلى حوادث جسيمة· وتأكيداته بإمكان مقاضاة الشركات المصنعة إذا ما ثبت في التحقيقات بأن الحادث كان بسبب عيوب في التصنيع· إن كل ما نطلبه من وكلاء السيارات ومصنعيها شيء من الاحترام للجمهور، وذلك بالتفاعل مع ملاحظاته· كما إن وزارة الاقتصاد ودوائر الاقتصاد في مختلف إمارات الدولة مدعوة لإيلاء أمر مراجعة مقومات السلامة في المركبات الاهتمام الذي يستحق، بعد إن أصبح تجاهل هذا الأمر من قبل بعض وكالات السيارات'' خارج عن السيطرة'' بالفعل، وبات يمثل خطورة حقيقية على مستخدمي الطريق من السائقين والمارة!·