لماذا تعمل المنظمات السرية بالخفاء؟ لا يحتاج السؤال إلى كشوف وهتوف ورجوف، ورفوف، وقطوف، وعطوف، ودفوف.. الذين يعملون تحت جنح الظلام، ويضعون قفازات الإخفاء، ويمشون على الأرض، بخفة العناكب، ويتسلقون المناكب، ولا يخشون العواقب، ويندسون في الثغور، ويهددون بالويل والثبور، ويخبئون الشرور، بحق الأجيال والأشبال، ويؤكدون أنهم يحملون صكوك الغفران، لكل من ينضوي تحت مظلتهم، ويسير في ملتهم، ويفهم علتهم، ويمارس الطقوس الجهنمية بمعرفتهم، ويقول معهم، أنا ومن بعدي الطوفان.. من يسلك هذا الطريق الوعر المكفهر، المتعثر، المتستر بالجحيم، لا يستطيع أن يفصح عن وجهه ولا يستطيع أن يسفر عن وجهته، ولا يستطيع أن يكون صادقاً مع نفسه، ولا يستطيع أن يكون صادقاً مع الآخرين، ولا يستطيع أن يتوقف عن الكذب، ولا يستطيع أن يكف عن التبذير في طرح الشعارات ولا يستطيع أن يعيش الواقع، ولا يستطيع أن يفسر سلوكه ويقول أنا كذا لأنني أفهم الواقع هكذا، ولا يستطيع أن يخرج عن تعاليم قيست بالقلم والمسطرة، من قبل مشعوذ كبير في تنظيم أكبر، ولا يستطيع أن يقول إلا «قال فضيلته» وصاحب الفضيلة هذا أمسك بتلابيب الروح، والعقل لكل عناصر التنظيم ما جعلهم يتحركون كأحجار الشطرنج، ويدبون ويأتمرون بأمره، ومخالفته تعني مواجهة ما أصاب عاداً وثمود، وقوم لوط.
بهذه الروح المنومة مغناطيسياً، يذهب التنظيم بأعضائه نحو غايات السرية المحكمة، يأخذهم إلى نهايات أقصاها تدمير النفس والآخر وجعل الأوطان وكراً لعش الدبابير.
الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما أراد دخول الإسلام ذهب إلى الشارع، وقال للناس أجمعين، أنا ذاهب إلى رسول الله ومن أراد أن تثكله أمه فليتبعني.. هذه شجاعة الإيمان، وهذه هي لحظة الحقيقة عندما يكون الإنسان على حق، أما أن يتم الانتماء عن باطن خرب، ومرتبط بخيوط شائكة ومعقدة، وملتئم مع آخر نصب نفسه آلهة الصواب والمطر، ولا يفكر بمصير وطن، ولا مستقبل أبناء فإن هذا الالتئام هو أشبه بترقيع ثوب عتيق مصيره التمزق، والتفرق أشتاتاً.. فلا يمكن للعقل أن يصدق ما يحدث، فإن صدق المرء فلا عقل له، هكذا تؤكد مجريات سبر أغوار تنظيم يقف على ناصيته كائن بغيض رضيض، الأمر بالقتل عنده كالأمر بالمعروف، والنهي عن المجادلة بالحسنى، كالنهي عن المنكر، ولن تختفي الأسئلة ونحن نعيش اللامعقول، لحساب شعارات أصبحت في الأحلام كوابيس، وفي الواقع أنهاراً من هراء وافتراء لن تنتهي الأسئلة، والذين يعملون في الخفاء، يمضون بالعربة باتجاه مجاهيل لا تخدم إلا أغراض الشيطان، ولا تحكي إلا حكاية السوفسطائيين مع سقراط، لن تنتهي الأسئلة، والعالم مشغول بنهاية العالم، وليس بنهاية منظمات اتخذت من موت الآخر وسيلة، لانتعاش وجدانها وأدرانها.


Uae88999@gmail.com