قد يصلح عنوان كـ ''صيد السلمون في اليمن'' لدراسة في الثروة السمكية أو الصيد ومشكلاته، لكنه عنوان لرواية صدرت ترجمتها العربية بصنعاء مؤخرا يتناول فيها كاتبها البريطاني (بول توردي 1946 ـ ) أحداثا تدور بين اليمن وبريطانيا، حيث تتبلور فكرة إنشاء مزارع لسمك السلمون النهري في وادي العيون باليمن، حيث لا مياه سوى ما تجود به الأمطار الموسمية لكن الأهداف السياسية والانتخابية للوزارة البريطانية تجعل الفكرة الغريبة واقعا· المدهش في العمل أنه ليس فقط مناسبة لرؤية صورتنا في سرد الآخر وتمثله للمكان العربي والإنسان والعلاقات والثقافة، بل لفحص تقنيات السرد الروائي المعاصر الذي وإن بدا خطه العام تقليديا وتعاقبيا وصارماً في رسم الشخصيات وتقاطع الحبكات إلا أنه لا يتردد في الإفادة مما تتيحه ممكنات التقنيات المعاصرة، فالرواية تبدأ بوثائق حكومية ومراسلات خاصة وتفاصيل بريدية عن المشروع المتخيل وتتضمن بعض الفصول محاضر التحقيق مع منفذيه بعد فشله ومقتل رئيس الوزراء البريطاني والثري اليمني الشيخ محمد ممول المشروع، وصفحات من مذكرات ألفرد جونز العالم الذي يتم تبئير العمل من خلاله، وأجزاء من سير ذاتية لبعض الشخصيات، وهذه الطرق المتنوعة التي يظهر العمل بسببها وكأنه وثائقي رغم تخيله بالكامل ترينا ما وصل إليه السرد الحديث في تمثيل الوقائع بشتى الوسائل، وتعكس الفصول القصيرة صبر الكاتب الذي شبهه المترجم الدكتور عبدالوهاب المقالح في المقدمة بصبر صياد وبراعته كي يصطاد في النهاية عملا كهذا·· يرينا من جهة الصلة الممكنة بين الشرق والغرب عبر رمزية عيش السمك بعيدا عن منابع الأنهار التي يجري فيها أو يهاجر إليها، ويرينا بخط مواز لحكاية المشروع الصراع بين الواجب والعاطفة من خلال أزمة جونز وزوجته المنشغلين بتفاصيل وظيفتيهما حتى تهتزعلاقتهما وتشرف على الانقطاع· وإذا كانت الرواية الصادرة ببريطانيا قبل عام فقط قد حظيت بطبعات لاحقة وترجمات للغات عدة، فإن موضوعها العربي هو أبرز عوامل جذب القراء واهتمام الناشرين والمترجمين لكنها فرصة لمراجعة الصورة النمطية عن الشخصية العربية في منظور الكتاب الجدد الذين لم يكتفوا باجترار الأفكار التقليدية عن العرب وأمكنتهم وثقافتهم· لكنها لا تخفي أيضا الشعور المتزايد بالفجوة بيننا، ففي نهاية الرواية وبعد جهد شاق لنقل السلمون إلى اليمن تعصف الأمواج بالشيخ اليمني ورئيس الوزراء البريطاني ليضيعا غرقا في مجرى النهر، وكأن الطبيعة ترفض الترويض والاندماج، فضلا عن خط ضعيف لم تشبعه الرواية يرينا ما تفكر به القاعدة لتصفية الشيخ بطريقتها المعهودة، ومن جهة أخرى تنشغل بتصوير مصير نقيب بريطاني يختفي أثناء خدمته في العراق فتحبط خطيبته المسهمة في تنفيذ المشروع وتنسحب، دلالة أخرى على أن لقاءنا نحن والغرب ما زال مستحيلاً كفكرة صيد السلمون في اليمن!