رواية “الحب في المنفى” التى سبق أن كتبت عنها تفصيلا، هي واحدة من أجمل روايات بهاء طاهر. وبطلها صحفي ناصري، أطاحت به “ثورة التصحيح” الساداتية،ونفته بعيدا عن مصر مراسلا لجريدته فى إحدى العواصم الكبرى،لعلها جنيف. وهناك في مؤتمر تعقده لجنة الأطباء الدولية لحقوق الإنسان عن انتهاك هذه الحقوق في شيلى، تتجمع شخصيات الرواية الأساسية، ويلتقي الصحفي الناصري وزميله الشيوعي القديم إبراهيم المحلاوي القادم من بيروت ممثلا لصحيفة تصدرها إحدى منظمات المقاومة هناك، بعد أن محت الهزيمة المشتركة أسباب العداوة بينهما، وأصبح كلاهما منفيا عن وطنه، وذلك في عالم هجر أحلامهما التي أصبحت منفية مثلهما، مضطهدة اضطهاد بيدرو إيبانيز الذي شوهته إدارة الأمن الوطني في شيلي، بعد رحيل سلفادور ألليندي. ولا تجاوز أحداث الزمن الروائي أشهرا معدودة، فالأحداث تبدأ من مطلع يوليو 2891 وتنتهي في سبتمبر، عقب مذابح صبرا وشاتيلا التي حدثت في نفس الشهر، ويؤدي حدوثها دورا مهما في بناء السرد الروائي. واختيار هذا الزمن بعينه له دلالته الخاصة، فهو اختيار لذروة المأساة العربية التي حدثت بعد عام 7691، عقب سلام كامب ديفيد، حين كان لابد من القضاء على الصوت الوحيد الباقي للمقاومة في لبنان، وبعد أن لم يبق من الحكومات العربية من يمتلك القدرة على النهوض بعبء الدفاع عن الشعارات العربية القومية للوحدة وحماية استقلال الأوطان العربية، وحين تحوّل الشعب الفلسطيني إلى أمثولة لإرهاب غيره من الشعوب العربية التي ظلت الطليعة من أبنائها تحلم بمقاومة الاستسلام واليأس. هذا السياق المنكسر المظلل بالهزيمة ينعكس على بطل الرواية وصديقه الشيوعي القديم، ويصل ألبرت الإفريقي القادم من غينيا الاستوائية ببرجيت النمساوية المغتربة في وطنها، وتدخل في علاقة حب مع البطل، محكوم عليها بالفشل منذ البداية، وتصل الصحفي المصري بشبيهه برنار الذي يغدو صورة موازية له في موطنه الأوروبي الذي يخضع للسياق التاريخي نفسه. هكذا يهبط الزمن الخارجي للرواية على زمنها الداخلي، فتبرز هذه القدرية المسؤولة عن حركة الشخصيات في الرواية. أعني هذه الحركة التي تتجه صوب الهاوية دائما، كأنها الحركة التراجيدية لأبطال المأساة الإغريقية المحكوم عليهم سلفا بالدمار. أقصد إلى هؤلاء المنفيين المهمشين المقموعين داخل أوطانهم وخارجه، أولئك الذين لا يمتلكون من أمر مصائرهم شيئا، فهم أعجز من أن يغيروا مصائرهم العامة والخاصة، خصوصا بعد أن فقدوا عالمهم الذي ألفوه، وبعد أن حقق لهم من أمانيهم ما أفرحهم، لكن حدث ما أحال الأحلام إلى كوابيس، فلم يبق لهم سوى البحث عن خلاص لا وجود له في غربة المنفى، فلا يبقى لهم سوى محاولة التشبث بما تبقى لديهم، حتى لا يطفئوا بأيديهم ما بقي من ذكرى الأحلام التي دفعوا ثمنها عمرا بأكمله. لكن الشيء الوحيد الذي يفلحون فيه هو إبطاء إيقاع النهاية التي نعلم، منذ البداية، أنهم لا يستطيعون أن يمنعوها لأنها أقوى من قدراتهم المحدودة.