هكذا كان يعرف «كلينت ايستوود» في فيلمه الأخير «البغل»، حيث أدى دوراً من أجمل أدواره، رغم أنه الآن في شيخوخته المتجددة، إذ بلغ الثامنة والثمانين، كان دوره لشخص متقاعد من الحروب الأميركية الخارجية، ويعشق الزنبق ويرعاه، غير أنه كان مقصراً، أو كما يقول في الفيلم «ملك» تفويت الفرص والمناسبات العائلية، كزواج ابنته، فيخاصمه الجميع ما عدا حفيدته التي تؤمن بأنه يقدم الكثير لعائلته، وكل عمله من أجل تعليمهم ورعايتهم، لكنه يعشق التجوال بسيارته، حيث زار الولايات الأميركية تقريباً جلها، ولَم يرتكب مخالفة سير واحدة، فيتلقفه أحد أفراد عصابات المخدرات ليعمل لديهم كناقل لبضائع لا يعرفها، وحين عرفها تواطأ مع نفسه، وفي آخر نقلاته تحتضر زوجته السابقة، لكنه لا يفوت فرصة التواجد معها في أيامها الأخيرة، لتعترف له أنه كان حبها وألمها طوال حياتها، وحين تقبض عليه الشرطة، يرفض تعاطف الجميع معه، ويقرّ بأنه مذنب في كل التهم، فيلم جميل ورائع بأدائه التمثيلي، رغم أنه المخرج والمنتج ومرات الموزع الموسيقي كعادته في أفلامه الأخيرة خلال السنوات الماضية، والتي قدم فيها أجمل الأفلام إخراجاً وإنتاجاً وتمثيلاً.
«كلينت ايستوود الابن» هذا اسمه كاملاً، بدأ حياة قاسية وصعبة، حيث امتهن مهناً بسيطة بعد إنهاء تعليمه الثانوي كمكبس قش، وسائق شاحنة، وعامل محطة وقود وغيرها، وانضم للجيش وعمل مدرباً للسباحة، لكن نظراً لوسامته وقوة بنيته الجسدية اختارته «هوليوود» ليظهر في أدوار صغيرة، حتى جاءته فرصة العمر، وأسندت له أدوار راعي البقر في الغرب المتوحش، فقدم فيلم «من أجل حفنة دولارات» وفيلم «الخيّر والسيئ والقبيح» وغيرها، وتربع على عرش تلك النوعية من الأفلام التي يعشقها الجمهور آنذاك، لكن بعد نضجه وتجربته السينمائية الطويلة أنجز أعمالاً رائعة، وقدم وجوهاً سينمائية مميزة، فاز بجوائز أوسكار عن أفضل الأفلام «غير المسامح»، وفيلم «فتاة المليون دولار»، وهو الفيلم نفسه الذي فاز به كأفضل مخرج، كما فاز بجائزة «الدب الذهبي» وجائزة «جولدن جلوب»، وفاز ممثلون كثر في أفلامه التي قدمها كمخرج ومنتج، مثل فيلم «النهر الغامض»، وأفلام تناولت الشخصيات وسيرهم، مثل «نيسلون مانديلا»، وشخصيات سياسية أميركية، وهو اليوم من أرفع الشخصيات الفنية التي لها تأثيرات سياسية، وقد انتقد السياسات الأميركية والفساد في المؤسسات، مثلما أدى أدواراً تخص الساسة، وكبير الحرس الرئاسي، بأفلام عدت جريئة وجميلة ومدهشة، فيها العمق الفكري والبعد الفني.. كلينت ايستوود عاش ليضفي شيئاً جميلاً في حياة الناس!