دائما تتحدث وتتباها بابنها أمام جاراتها وصديقاتها، هو الولد الوحيد لها بين أربع بنات، "ابني جاء منذ أسبوع لزيارتي هو وعائلته، وأصر أن أذهب معهم لذلك لم أتمكن من حضور جلساتنا المسائية في الفترة الأخيرة، لا أريده أن يتضايق، هو وزوجته يحباني جداً ولكن أنا أحب الاستقلال والجلوس وحدي في البيت، أنتن تعلمن في هذه السن نرغب في الحصول على الهدوء، البارحة طلبت منه أن يقلني إلى المنزل لا أستطيع أن أستغني عن جلساتكم و.." قاطعتها إحدى الحاضرات قائلة "غريب ما تقولينه، ابنتي تعمل مع زوجة ابنك وقد أبلغتني بأنه وزوجته وأبناءهم سافروا منذ أسبوعين لقضاء العطلة في فرنسا!" ساد صمت رهيب في الجلسة لم يقطعه إلا عيون تلك الأم التي تخاطب أمومتها بخيالها. ? ? ? ? ظننت أني قمت بواجبي لأمي عندما أدخلتها دار رعاية المسنين، ظننت أن الخرف الذي أصابها سيفقدها الإحساس بنا، وبكل ما حولها. يقولون إن البنت أرحم من الولد على والديها، ولكني كسرت هذه القاعدة بتصرفي هذا، ربما لم أرد تحمل المسؤولية، بررت فعلتي هذه لزوجي وأبنائي وللناس ولم أستطع أن أواجه نفسي إلا عندما أبلغت بخبر وفاتها، كنت سأزورها لكني انشغلت و….و…و، نعم ليس لي عذر ولكني أفتقدها جداً جداً، أشعر بالحسرة والندم ، أتمني أن تسامحني لأني لم أشعر بها. ? ? ? ? هي أم على الرغم من أنها لم تنجب...استحقت لقب الأم بتربيتها أشقاءها وتفانيها في خدمتهم، استحقت أن تعامل وتطاع وتكرم كأم، استحقت …ولكنها لم تأخذ من هذا الاستحقاق شيئاً، فقد رسم لها قدرها طريقاً آخر، ووعدها بجدران باردة خالية من أصداء تضحيتها، جدران لا تحاكيها ولا تحميها من تقدم العمر ومرور الزمن، استقل أشقاؤها في حياتهم، وأصبحت زيارتهم لها نادرة فيما غدت هي تبحث في صور الأمس عن حالها اليوم. ? ? ? ? أبحث يومياً عن أمي…أذهب إلى غرفتها لأشم رائحتها أنام على كتلة من ملابسها لأشعر بأحضانها، أتحسس خطواتها، صوتها يسكن وجداني أنا لا أخاف النوم في الظلام فأمي حتماً ستكون بالقرب مني، هي تحكي لي حكايات الأمل والإنجاز، وتقرأ لي مستقبلي…هي الأمان الذي لا يغيب بغيابها يكفي أنني جزء منها، فسبحان الله كنا روحين بجسد واحد كيف لي أن أنساها، نعم ما زلت أبحث عنها على الرغم من يقيني أن هذه الدنيا لن تجمعنا مرة أخرى. ? ? ? ? نساء يحلمن بالأمومة، وأمهات يبحث عن أبنائهن، وأبناء يبحثون عن أمهاتهم، لتظل هذه الفطرة، والعاطفة والمشاعر والعلاقة الإنسانية خارج الوصف والتصنيف. أمينة عوض | ameena.awadh@admedia.ae