من يزور العاصمة التشيكية الجميلة براغ، يحرص عند زيارته للحي القديم فيها على التوقف عند الساعة الفلكية الشهيرة الواقعة قبالة مقر البلدية. الساعة التي يعود بناؤها إلى القرن الخامس عشر، وقبل مولد عالم الرياضيات والفلك نيكولاس كوبرنيكوس تعمل وفق نظرية أن الأرض تشكل مركز الكون، وتستقطب ملايين الزوار والسياح ممن تذهلهم الآلية المعقدة لعملها والمعروفة بدقتها. فعند رأس كل ساعة يشهد الحضور دقاتها مصحوبة بعرض للحواريين في نافذتين صغيرتين فوق أسطرلاب يظهر حركة الكواكب بين رموز الأبراج الفلكية. وينتهي العرض خلال دقيقة بصياح ديك يحرك جناحيه. بلدية المدينة التي ترددت عليها عشرات المرات واستمتعت بكل جزء فيها في كل زيارة لها، أعلنت مؤخراً أن الساعة الفلكية ستخضع لعملية ترميم تستغرق نحو ستة أشهر لصيانتها بغية «حفظها للأجيال المقبلة». ونقلت وكالات الأنباء عن يان وولف مستشار الشؤون الثقافية في البلدية أن « الساعة تمثل أحد رموز براغ وترميمها يشكل قراراً لازماً ومسؤولاً»، وأن الساعة ستفكك قبل نقلها إلى ورشة للترميم. ولأن السياحة منجم ذهب للمدينة التي تستقبل ما لا يقل عن عشرة ملايين سائح سنوياً فقد أعلنت البلدية أنها ستخفف على زوار المدينة وطأة الغياب المؤقت للمعلم التاريخي بإقامة شاشة عملاقة تعيد بث العرض المعتاد للساعة وشخوصها في ذات الموقع إلى حين إنجاز عمليات الترميم. أوردت هذه الواقعة لتوضيح كيف تتعامل المدن الكبيرة مع معالمها الشهيرة، حيث تقوم بتفكيكه عندما تضطر لإجلائه من مكانه ولضرورة مشاريع تجميلية أو توسيعية وتطويرية، وتقوم بعد ذلك بإعادة تركيبه في ذات المكان وسط مظاهر احتفالية وكرنفالية. وكانت مناسبة طرح الأمر حالة اللوعة والحزن التي غمرت سكان الفجيرة عندما استيقظوا صباح الأربعاء الماضي، ورافعات الهدم تمتد إلى معالم عاصمة الإمارة الواعدة «المرش» عند الدوار. ما أصاب هذا المعلم أصاب معالم شهيرة اختفت في العديد من مدننا الكبرى، ولا زال غياب نافورة الشلال أو البركان من كورنيش أبوظبي أو السوق القديم يثير شجون رواد تلك الأمكنة، وبالذات لأمثالي من الجيل الذي شهد تبرعم المدينة أمام ناظريه. الحرص على المعالم القديمة يضفي قيمة وروحاً للمكان، ويجعلها مزاراً يحمل هوية هذه المدينة أو تلك، وعند مشاهدتك له في الصور تستدل على المكان فوراً. وداعاً لدوار المرش.