تظهر ميزانيات بعض الشركات المساهمة العامة الحذر المفرط المحيط بالقرارات الاستثمارية، بدلالة السيولة الفائضة غير المستغلة. مليارات الدراهم تتكدس بشكل دوري في خزائن تلك الشركات، لا هي تضخها في الاقتصاد الوطني فتحرك النمو، ولا هي تحقق منها العائد المنتظر بالنسبة للمساهمين. لا يوجد ما يبرر احتفاظ إحدى الشركات بأكثر من 20 مليار درهم من السيولة، وأخرى بـ 10 مليارات، مع العلم أن تلك السيولة، رغم ما تبعثه من علامات قوة، إلا أنها تحمل مخاطر، وخسائر غير محسوبة، مالياً على الأقل، ولكنها توضع في الحسبان اقتصادياً. فالشركات تتحمل تكلفة عن السيولة المتكدسة لديها، تعادل العائد على الفرصة الضائعة أو البديلة لو أنها استغلتها استثمارياً بدلا من إيداعها لدى البنوك. هذه التكلفة يمكن أن تتحول إلى إيراد لو أحسن التعامل مع فائض السيولة، ولكن يبدو أن شبح الأزمة المالية ما يزال هاجساً مقلقاً لأصحاب القرار الاستثماري في الشركات، فيفضلون الاحتفاظ بالنقد. حتى أسواق المال تعاني غياب صناديق الاستثمار، فالشركات قلصت استثماراتها هناك بشكل أو بآخر، رغم أن أسعار الأسهم مغرية للشراء، والعائد أصبح معقولا مقارنة بالسعر. قلنا في وقت سابق إن الأزمة المالية أفرزت فرصا هائلة، في الداخل والخارج، ولكن لمن يخشى حساسية المرحلة، ثمة فرص تلوح في الأفق بعيدة عن مخاطر الأزمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تخطط “مبادلة” لبيع حصص لها في شركات محلية، لضخ دم جديد في السوق، وتأمين سيولة تساعدها على مواصلة استحواذاتها واستثماراتها الخارجية الهادفة إلى تنويع الاقتصاد الوطني. “مبادلة” شركة، وتبحث عن الربح، ولكن الدور المناط بها كذراع استثمارية للحكومة، ومحرك أساسي للنمو، يجعلها تفكر في كيفية فتح نوافذ استثمارية أمام القطاع الخاص. وبدهياً، فإن استثمار لشركة بحجم ورؤية مبادلة معروضا أمام القطاع الخاص، في أي قطاع كان، يعني فرصة مجدية محسوبة المخاطر معقولة العائد. لابد للشركات أن تفكر بعمق وحس استثماري لتشغيل السيولة، وإلا فإنها ستصل إلى مرحلة التخمة المالية، وبالتالي تضطر إلى اللجوء للاستثمارات شبه الآمنة كالسندات واذونات الخزينة وغيرها من الأدوات شبه الخالية من المخاطر، ولكنها أيضا خالية من دعامات التنمية. baha.haroun@admedia.ae