لو سرق الحجر الأسود، فأي جهة ستكون مستقرة، لحظات للتوقع والتخمين، ولكن سوف يسبقها الكثير من الاستغفار وقراءة القرآن الكريم، والدعوة على الشيطان والأفكار الجهنمية والكافرة والوسوسات الخبيثة والدخول إلى الكفر الصريح. البعض لن يتحمل مثل هذه الهلوسات أو حتى مجرد الاقتراب من هذه الأفكار. ولكن التاريخ يقول إن في الأزمنة القديمة الماضية والبعيدة جداً، وفي أزمنة التردي والسقوط حصل مثل هذا، عندما استطاع بعض أتباع القرامطة، وبعض الشحن الطائفي من رجل الدين التابع للحركة القرمطية، والذي كان في الأصل مجوسياً ثم أصبح أكبر عالم ورجل دين وتبعه ناس كثر في بلده وخارجه، وعلى الخصوص في بغداد، فقد استطاع ذلك المتحمس لفكرة، أن الحجر الأسود يجب أن يكون موقعه حيث دولة الدين والعلم وليس مكانه الحالي في الجزيرة العربية.. يسطو، ذلك القرمطي على الحجر الأسود ويرفعه، ثم يخاطب السماء رافعاً يداه، أين طائر بابيل، أين من يستطيع منعي من أخذ الحجر الأسود، وإذا كان الطواف والحج إلى هذا الحجر فإنه الآن معي، لقد كان في ذهنه أن يستقر حيث سيده وعالمه الديني في شمال الجزيرة العربية أو بغداد. وكان كذلك، حيث حمله إلى بغداد، وظلّ سنين طويلة حتى ظهر الحق والنور وعاد إلى مكانه الصحيح وخرج إمام الحرم الشريف ليعلن أن الحجر الأسود قد عاد إلى موقعه الطبيعي بعد أن دحر الله القرمطي وديانته المنحرفة. وعندها تقاطر الحجيج إلى الكعبة، والابتهاج بعودة الحجر الأسود إلى موقعه والتبرك به، إنها حقبة مظلمة من تاريخ الإسلام ظهرت فيها فئة حولت الدين إلى ما يشبه الطقوس التي لا يقبلها العقل في الكثير من ممارساتها، بل إن بعضها يشبه ما كان يقوم به عبدة النار. مسرحية الحجر الأسود، التي قدمها كتابةً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وأبدعها إخراجاً المنصف السويسي، قدمت لنا عملاً مهماً ومبدعاً، ليس في قراءة التاريخ ووضع الكثير من مفاصله في عمل مسرحي في غاية الإبداع والجمال، ولكن كتابة وقراءة في استخلاص لب المعنى وجوهر المبنى، أمثلة قوية صارخة الدلالة على أن ما يدور الآن في عالمنا العربي وما يحيط بالجزيرة العربية والخليج العربي، هو عودة على بدء من قديم التاريخ، منذ عهد القرامطة وسواهم. لقد أبدع المخرج المنصف السويسي في استلهام التاريخ والواقع الاجتماعي في بغداد ووظفه بشكل جميل، من خلال تقديم صورة الحزن والفرح في هذه البلاد، حيث مساحة الحزن الكبيرة والبكائيات وجلد الذات بصورة دامية، محال أن يقبلها أو تتمشى مع الإنسان الذي يعيش هذا العصر، ولكن تلك التنشئة النفسية الدامية، حيث يشاهد الطفل أناساً يجلدون ظهورهم، ويبكون الآن على ميت مرّ على موته سنين طويلة جداً، هذا غرس فيهم هذا الحزن الكبير، كذلك المبالغة في الفرح وحلبات (الهوسة)، كل هذا يوظفه المخرج، في تقديم عمل في غاية الروعة والدلالة، إنها مسرحية رائعة كما توقعتها لأنها من إنسان رائع في كتاباته المسرحية. Ibrahim_Mubarak@hotmail.com