يمر عليك شباب في عمر الورود، مكفهرون، وعلى وجوههم غبار شوائب أفكار لا تعرف ما هي، ولكن كلما أمعنت النظر في السحنات صدمتك العيون المسغبة، وداهمك شعور بالأسى، وأنت تمر على نظرات تأخذك إلى ماض تولى، وأصبح نسياً منسياً، ولكنه بقدرة من يحركون المواجع، يبدو في اللحظة وكأنه سلحفاة تزحف على رمل الفراغات الملتهبة، وتحثو التراب عبر زعانف مرتجفة، هزت سعفاتها ريح صرصر.
أنت لا تتذكر شيئاً من زمان مضى، وإنما يداني جوانحك شيء من الألم، عندما تقارن بين ما كان ويكون، والفارق شاسع، كالفرق ما بين النهر والبحر.
اليوم أصبح كل ما تصبو إليه النفس يذلل جناحين ضارعين، ويقول لك شبيك لبيك، ورغم كل هذا المتاح من رخاء وسخاء، تجد العبوس يجتاح الوجوه، وكأنها أشجار ميتة، والجفون ذابلة مثل ظهور أسماك مجففة.
تود أن تعرف لماذا؟ وكيف يحدث هذا؟ فلا تجد تفسيراً غير واحد، وهو أن الشفافية تأتي من البساطة، وأن نهر الابتسامة يتسع بحدوث المتطلبات القليلة، وأن الصدور تبدو مثل المحيطات، عندما لا تلوثها بقع المظاهر الزائفة، وأن النفوس تتنقى بالقناعات، وهذا لا يحصل الآن، فشباب اليوم مدفوعون بقوة باتجاه بروق تهز الوجدان، ورعود تهز الفرائص، ومد تسونامي يدمر الطمأنينة، وانهيارات في البناء الاجتماعي تؤدي إلى تغير مناخ المشاعر، ولا أحد يقتنع بأن القليل يكثرك، والكثير يقللك، ومن لا يصفو للقليل لن يصفيه الكثير.
حقيقة نحن بحاجة إلى ثقافة جديدة توازي ما توصلنا إليه من بنية حضارية مدهشة، حتى يتمكن الشباب من الوقوف عند المشهد الحضاري من دون رجفة، أو خفة، أو نزفة، أو تكلفة، أو تلف، أو لهف أو خسف، أو نسف، نحن بحاجة إلى المؤسسات الثقافية أن تقوم بدور التنوير، وإضاءة الصدور بمنتجات ثقافية تضاهي منتجنا السياسي والاقتصادي، حتى لا يمضي القطار، وعربة الثقافة معطوبة لأسباب خاصة بالوعي، وبأهمية الدور الثقافي في إحياء الأعشاب الميتة، وإسقائها بماء المكرمات، لتصاحب الحركة الحضارية وهي بصحة وعافية، ولتكون الذراع والساعد والجناح، ولترتفع الراية مكللة بالأحلام الناصعة، ولتستعيد الوجوه نضارتها.