قالت أعرابية توصي ولداً لها يريد سفراً: أي بني اجلس أمنحك وصيتي، وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير عقلك، أي بني إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين المحبين، وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضاً، وخليق أن لا يثبت الغرض على كثرة السهام، وقلما اعتورت السهام غرضاً إلا كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته، وإياك والجود بدينك والبخل بمالك، وإذا هززت فاهزز كريماً يلين لهزتك، ولا تهزز اللئيم فإنه صخرة لا يتفجر ماؤها، ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، فإن المرء لا يرى عيب نفسه، ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه فعله كان صديقه منه، على مثل الريح في تصرفها ، والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها. وقالت أعرابية لابنها: يا بني إن سؤالك الناس ما في أيديهم من أشد الافتقار إليهم ومن افتقرت إليه هنت عليه ولاتزال تحفظ وتكرم حتى تسأل وترغب، فإذا ألحت عليك الحاجة ولزمك سوء الحال فاجعل سؤالك إلى من إليه حاجة السائل والمسؤول، فإنه يعطى السائل ووصى أعرابي ابنه فقال: ابذل المودة الصادقة تستفد إخواناً وتتخذ أعواناً، فإن العداوة موجودة عتيدة والصداقة مستعرزة بعيدة جنّب كرامتك اللئام، فإنهم إن أحسنت إليهم لم يشكروا، وإن نزلت شديدة لم يصبروا. وقال أعرابي لابنه: لا يغرنك ما ترى من خفض العيش ولين الرياش، ولكن فانظر إلى سوء الظعن وسوء المنقلب. وكن للعاقل المدبر أرجى منك للأحمق المقبل ثم أنشد: عدوك ذو الحلم أبقى عليك ... وأرعى من الوامق الأحمق ونصح أعرابي أخاه فقال: اعلم أن الناصح لك المشفق عليك من طالع لك ما وراء العواقب برؤيته ونظره، ومثل لك الأحوال المخوفة عليك، وخلط الوعر بالسهل من كلامه ومشورته، ليكون خوفك كفاء رجائك، وشكرك إزاء النعمة عليك، وأن الغاش لك والحاطب عليك من مد لك في الاغترار ووطأ لك مهاد الظلم، تابعاً لمرضاتك منقاداً لهواك، ووعظ أعرابي أخاً له أفسد ماله في الشراب فقال: لا الدهر يعظك، ولا الأيام تنذرك ولا الشيب يزجرك، والساعات تحصى عليك، والأنفاس تعد منك، والمنايا تقاد إليك، أحب الأمور إليك أعودها بالمضرة عليك. أبو إسحاق الألبيري: الشيب نبه ذا النهى فتنبها ونهى الجهول فما استفاق ولا انتهى بل زاد رغبة فتهافتت تبغي اللهى وكأن بها بين اللها فإلى متى ألهو وأفرح بالمنى والشيخ أقبح ما يكون إذا لها ما حسنه إلا التقى لا أن يرى صبا بألحاظ الجآذر والمها أنى يقاتل وهو مفلول الظبا كابي الجواد إذا استقل تأوها محق الزمان هلاله فكأنما أبقى له منه على قدر السها فغدا حسيرا يشتهي أن يشتهي ولكم جرى طلق الجموح كما اشتهى إن أن أواه وأجهش في البكا لذنوبه ضحك الظلوم وقهقها