احتاجت النهضة الشاملة في الإمارات، خلال العقود الماضية، إلى ملايين من الأيدي العاملة، في مختلف القطاعات، ولا سيما في المشروعات العقارية الضخمة، ونجحنا خلال سنوات قليلةٍ في تحويل تقارير المنظمات العمالية الدولية إلى صالحنا، بعدما تجاوزنا الأبعادَ المسيَّسة في مضمون المطالبات، وتوجهنا مباشرة إلى الجوانب الفنية التي تتطلب قوانين وتدابير، وتعالج حقوق أطراف الإنتاج جميعاً.
تطلّب ذلك جهداً دؤوباً وصبراً كبيراً، فالمنظمات الدولية تبني تقاريرها السنوية على معلومات، تنقصها الدقة، في بعض الأحيان، أو وِفقاً لاعتبارات عامة، ولصور نمطية عن العمالة الوافدة في الخليج العربي.
كذلك، يغيب عن بعض التقارير الدولية النظر إلى خصوصية المجتمعات، وقيمها الثقافية، وغير ذلك. لكنّ الأهم أننا لم نتجاهل تقريراً واحداً، سواء بتفنيد الادعاءات بالأرقام والوقائع، أو بالتجاوب السريع، لمعالجة أي قصور، أواختلالات تشريعية وإجرائية. لنتأمل ما حدث:
أولاً: لا يعاني العامل في الإمارات من أي قلق، تجاه تحصيل راتبه من صاحب العمل، فنظام «حماية الأجور» جعل علاقته مباشرة مع البنوك، فيتقاضى راتبه في توقيت محدد، والتشدد في الغرامات على الأفراد والشركات المخالفة، أسفر عن شكاوى عمالية نادرة في هذا الصدد.
ثانياً: المدن والقرى العمالية المنتشرة في الدولة تفوق المعايير الدولية في شروط الصحة والسلامة العامة، وهذه التجمعات البشرية في كثير من الدول، وحتى المتقدمة منها، تحولت إلى عشوائيات تعاني من مشاكل بيئية وصحية، وقد أثنت منظمات دولية على ارتفاع «المعيار الإماراتي» في هذا المجال.
ثالثاً: قانون العمالة المساندة، تعامل مع العاملين في قطاع الخدمة المنزلية، بصفتهم موظفين، يخضعون لشروط تعاقدية، ألزمت الكفلاء المواطنين والمقيمين، بأجور عادلة، وبالتأمين الصحي، وبالإجازة الأسبوعية، وبما يراعي اتفاقيات منظمة العمل الدولية، التي صادقت الإمارات على تسع منها.
رابعاً: على خلاف دول كثيرة في المنطقة، فإن حرية انتقال العمالة بين المنشآت مكفولة في الإمارات، باعتبارها حقاً أساسياً، في إطار منظومة سياسات، مثل الاستقدام، والتعاقد، وإنهاء العلاقة العمالية، وهذا ما اعتبرته منظمة العمل الدولية «خطوة رائدة على صعيد المنطقة، وتجربة يجب التوقف عندها باعتبارها نموذجاً لتحقيق شفافية التعاقد، وتنقل العمال من منشأة إلى أخرى».
احتفلنا بعيد العمال في الأول من مايو، بمزيد من الإصرار على صناعة نموذجنا ومعيارنا، ونتطلع في العام المقبل إلى الانضمام إلى كثير من دول العالم، التي تعتبر هذا العيد إجازة رسمية، ومناسبة لتكريم قيمة العمل، ودور العمّال.