للشعراء العرب القدماء، تقاليدُ يتبعونها في معالجة موضوعاتهم، وفي تمثّل القضايا التي يطرحونها في أشعارهم، فهم إذا كانوا يبكون الديار البالية، ويقفون على الأطلال الدَّارِسة، وينسُِبون بالحبيبات اللواتي أحبّوهنّ، أو مَن كانوا يزعمون أنّهنَّ أحببْنَهم، فكانوا يتغنَّوْن بجمالهنّ، ويحِنّون إلى اللَّحظات اللذيذة التي قَضَّوْها معهنّ، فإنّا ألفيناهم، أثناء ذلك، ربما ركّزوا على أسماءِ نساءٍ بأعيانهنّ يردّدونهنّ فلا يكادون يذكرون إلاّ إيّاهُنّ. ومن أسماء النساء التي غُرِيَ بذِكْرها الشعراءُ العرب الأقدمون اسمُ سُلَيْمَى، فقد هالنا أنّ هذا الاسم تردّدَ كثيراً في الشعر العربيّ القديم بحيث جاوز ورودُه زُهاءَ مائةِ مرّةٍ ممّا يَعُدّون، أي ذكَره زهاءُ مائةِ شاعرٍ عربيّ، ممّا وقع لنا نحن من إحصاء أوّلِيٍّ، وغيرِ مكتملٍ، على كلّ حال. فكلّ واحدٍ منهم كان يزعم أنّه أحبّ امرأة اسمها سليمى، أو أنّ امرأة اسمها سُليمى كانت تعشَقه وتهواه. والحقّ أنّا ألفينا اسم سُلَيمَى يرِدُ مرّة في معرِض الإرسال، أي أنّها هي التي كانت تخاطِبُ: إمّا شاعراً بعينه، وإمّا شخصاً آخرَ غيرَ شاعرٍ، ولكنّ ذِكْرَ اسم سُلَيمى يرِدُ، في كلّ الأحوال أو في معظمها على لسان شاعر، كما قال أبو محمد الفَقْعَسِيّ: قالت سُلَيمى: إنّني لا أبغيهْ ْ أراهُ شيخاً عارياً تَرَاقِيهْ (وتراقيه: مفرده تَرْقُوَة، وهي العظمُ الذي بين ثُغْرة النَّحر والعاتق). ووجدْنا القول على لسان سليمى يتكرّر باطّراد. وكثيراً ما يأتي في معرِض الرَّفْض لشخصٍ غيرِ مرغوب فيه، وكثيراً ما يكون شيخاً هرِماً. وقد يعود ذلك إلى أنّ فارق السنّ في الزواج لدى أجدادنا لم يكن وارداً، فكانت الفتياتُ يُكابدْن ذلك الوضع الناشزَ في العَلاقات الزوجيّة، فكانت تلك الأشعارُ تعبيراً صادقاً وصريحاً عن تلك الأوضاع. غير أنّ الإرسال يأتي عند سليمى، في بعض الأطوار، عامّاً في صِنف من الرجال، وأنّها لا تحبّهم لِما فيهم من صفات لا ترتضيها، مثل ما يُروَى على لسان إحدى هؤلاء السُّلَيْمَات: قالت سُلَيمى: لا أُحِبّ الْجَعْدِينْ ولا السِّبَاطَ إنّهم مَنَاتِينْ! فسُليمى هنا لا تكاد تحبّ أحداً من أمثال هؤلاء الرجال، فلا الجعْدَ الشَّعَرِ ترتضيه، ولا مَن له شَعْرٌ سَبْطٌ أيضاً تَبْغِيه. ثمّ إنّا لا ندري لما ذا تخصيصُ الرِّجال بالشَّعَر فقط دون الصفات الجسميّة الأخرى؟ فالنُّتونة لا تعود إلى الشَّعر وحدَه، سواء علينا أكان جَعْداً متقبِّضاً، أم سَبْطاً مُرْسَلاً، ولكنْ إلى قلّة الاغتسال. وتكون سليمى أحياناً، في الشعر العربيّ، مستقبِلة، وذلك حين يقع التغزُّلُ بها. وهذه هي الحال الأغلب في تصنيف عَلاقة الشعراء بسُلَيمى، كما قال حُمَيْدُ بن ثَوْر: أصبح قلبي من سُلَيمَى مُقْصَدَا إنْ خَطَأً منها، وإنْ تَعَمُّدا (الْمُقْصَدُ هو المرمِيُّ برصاصة أو سهم أو حجَر قاتل، أو الذي يمرَض، ثمّ لا يلبث أن يموت). وتأتي سُليمى في الشِّعر العربيّ قيمةً رمزيّة للجمال، وتأتي للارتباط بالمكان والزمان، وتأتي في معرض الطِّيَرَة والتشاؤم، وتأتي في معرض الأسطورة. وأكثرُ ما ورد ذِكرُها في الشعر الجاهليّ والأموي.