أحمر، بنفسجي، أصفر، وردي، أخضر، أزرق،،،، بهذه الألوان يحتفل الهنود في مثل هذا الوقت من كل عام بمهرجان الألوان الــ"هولي"... بهجة تعم المكان وتملأ الهواء بالمرح، فإذا كنت ترغب في المشاركة فما عليك إلا ارتداء ملابس بيضاء، فالكل سيرسم على ملابسك بالألوان التي يحملها بين يديه، وأنت بدورك تنثر الألوان على كل من حولك، وتنثر أخرى ممزوجة بالماء. وبين الماء والألوان والهواء والبشر ينطلق مهرجان الحياة. وهكذا يفعل الفنانون، بفرشاتهم وعلى لوحة بيضاء يمزجون ألوانهم بتجاربهم وأفكارهم ليرسموا خطوطاً تحكي عن خبايا أنفسهم، وتجرد رؤيتهم وتشكل معاناتهم في هذه الحياة. قد يقرأ الكثيرون هذه اللوحات مثلما يرسمها هؤلاء المبدعون، وقد يعجز البعض عن فهمها، ولكنها حتما لمست في كل من يشاهدها وترا، باختلاف تجارب المتلقين لهذه الأعمال الفنية، فهي كأي عمل أدبي تحمل الكثير مما يعنيه التشكيلي، وربما أكثر مما يعنيه. العمل الإبداعي عندما يعرض يسهم فيه الجميع، بأن يقوم بإسقاط حالته أوتجربته على هذه الأعمال، كأن يقوم أحدهم بتأويل بيت من الشعر تبعا لحالة معينة يمر بها، هذا ما أحسست به عندما رأيت الطفل يركض بسرعة مقترباً من مجسم أو"مانيكان" يجلس وسط معرض "بنات النار" للتشكيلي محمد المزروعي، قائلاً "أمي أريد أن أتصور معها"، فيما مرت مجموعة من النساء وإحداهن تحمل كاميرا وتلتقط صورا، في حين علقت الأخرى "لنلتقط صوراً لهؤلاء المعذبات". وفي الجانب الآخر من المعرض هناك صوت لسيدة تسأل طفلها الذي يبدو في الثالثة من العمر "ما هذا اللون وذاك.. أحسنت.. لا هذا أصفر وليس برتقالياً". لكل منا رؤية اتجاه أي عمل إبداعي، قد تكون رؤية خاصة بنا نحن بعيدا عن واقع العمل الإبداعي الذي تنطلق منه الفكرة، وقد تكون رؤية منسجمة مع فكرة هذا العمل، ولكن تفاعلنا يضيف لمسة إنسانية ليس للعمل وحده، ولكن لنا نحن أيضاً. بساطة العرض وعمق الفكرة، هذا ما تعتمد عليه عادة المعارض التشكيلية، ولكن "بنات النار" اختلف قليلاً في العرض حين جاءت سيدة بلا ملامح تجلس وسط هذه اللوحات، لتحكي لنا قصة بأسلوب مغاير، سيدة من "مانيكان" لا تعترف بمقاييس الجمال، حول فمها شريط لاصق، لم يمنعها من التعبير عن حالتها، ومن معها من المعلقات على الجدران. بنات من نار وأحلام من رماد، بنات بصور متعددة لوجه واحد ولصوت واحد ولأنف وعيون واحدة، في كل مرة تتجول فيها في المعرض تجد قصة مختلفة عما وجدتها بالأمس، في كل مرة هناك حالة تأتي بها معك وأنت داخل لأي معرض تشكيلي، حالتك الخاصة التي تعكسها في أي عمل ابداعي، فنحن نتفاعل مع الجدران الصماء فكيف باللوحات التي لا تكف عن الكلام. ameena.awadh@admedia.ae