رغم التباين الذي يهيمن على المشهد في تحديد بدايات شهور السنة الهجرية، حرصت العديد من الدوائر والمؤسسات الرسمية والأهلية على الاحتفاء بليلة النصف من شعبان، وإحياء «حق الليلة».
احتفال يحمل العديد من الدلالات والمعاني السامية التي تتجلى في هذا الموروث الجميل، فهو إلى جانب إدخاله الفرحة في قلوب الصغار فإنه يرسخ فيهم روح الاعتزاز والتمسك بالموروث إلى جانب تعزيز الروابط الاجتماعية لأبناء «الفريج» الواحد، «الفريج» الذي تغير كثيراً ولم يعد كما في تلك الأيام الخوالي. ولكن تظل روح المناسبة في تمتين الروابط الاجتماعية، والجميع يستعد لاستقبال أعظم الشهور شهر رمضان المبارك.
ندرك تماماً أن جيل اليوم يختلف عن نظيره بالأمس جراء تسارع وتيرة التطور التي يشهدها المجتمع، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل أي من تفاصيل موروثنا الجميل الذي يعني لنا الكثير، باعتباره جزءاً من تاريخنا وهويتنا. ومهما تطورنا وتقدمنا يبقى شيئاً من ماضٍ جميلٍ، ومن الذاكرة الجمعية التي نحرص على تعريف الأجيال بها في وجه تيارات تحاول النيل منها ومن الشخصية والهوية الإماراتية. ليس ذلك فحسب، بل إن التمسك بهذا الموروث تحديداً فيه تحصين للنشء من الذين يريدون تغريبه وإبعاده عن عاداته وتقاليده الأصيلة من منافذ وأبواب متعددة، أو من قبل متربصين على الجانب الآخر من المتاجرين بالدِّين الذين يُنصّبون أنفسهم أوصياءَ عليه وعلى الفضيلة ويلونونَ الأشياءَ بمناظيرهم القاتمة القائمة على الغلو والتطرف. بل ويحاولون أن يفرضوا رُؤاهم على مجتمعنا المعروف بفطرته السليمة وعقيدته وإسلامه الوسطي المعتدل والمتسامح والمنفتح على كل الثقافات والحضارات والأديان.
وكل التقدير لمبادرات وجهود وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وهي تأخذ على عاتقها إبراز «حق الليلة» من خلال رحلة قافلة الموروث الجميل والتي انطلقت من إمارة الفجيرة مروراً بكل إمارات الدولة وعلى مدى ثلاثة أيام لتعريف الأجيال وإسعاد الأطفال في مناسبة لها أصداؤها الجميلة التي تظل محفورة في الذاكرة عبر السنين. كما أنها تعزز الروابط الأسرية والمجتمعية المتوارثة والمستمدة من القيم الأصيلة التي يقوم عليها مجتمع الإمارات المعروف بتشبثه وتمسكه بها. ومهما بلغ مجتمع الإمارات من تقدم وتطور إلا أنه سيظل وَفياً لكل ما هو أصيل في هذا الموروث ويمضي في مسيرته التي أصبحت اليوم أنموذجاً ملهماً للبناء والعطاء والتقدم والتطور وصون الشخصية الوطنية والموروث الشعبي.