بعد التركيز على حرية العقيدة وحرية البحث العلمي فصل البيان أهمية حرية الرأي والتعبير بالربط بينها وبين التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، قائلاً: «كما يعلن المجتمعون أن حرية الرأي والتعبير هي المظهر الحقيقي للديمقراطية، ويدعون إلى تنشئة الأجيال الجديدة وتربيتها على ثقافة الحرية وحق الاختلاف واحترام الآخرين، ويهيبون بالعاملين في مجال الخطاب الديني والإعلامي مراعاة هذا البعد الهام في ممارساتهم، وتوخي الحكمة في تكوين رأي عام يتسم بالتسامح وسعة الأفق ويحتكم للحوار وينبذ التعصب، وينبغي لتحقيق ذلك استحضار التقاليد الحضارية للفكر الإسلامي الرشيد الذي كان يقول فيه المجتهد: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». رابعاً: حرية الإبداع الأدبي والفني. يتمثل الإبداع الأدبي في إنشاء الأجناس الأدبية المختلفة من شعر غنائي ودرامي وسرد قصصي وروائي ومسرح وسير ذاتية، وفنون بصرية تشكيلية من رسم ونحت وتصوير وفنون سينمائية وتلفزيونية وموسيقية وأشكال أخرى مستحدثة في كل هذه الفروع والتقنيات الجديدة. تستهدف الآداب والفنون في جملتها تنمية الوعي بالواقع وتنشيط الخيال وترقية الإحساس الجمالي وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد هذا المجتمع أحياناً والحلم بما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدي في حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنمية الفكر وملكات الخيال، وتلتقي في جوهرها مع الأهداف العليا للأديان السماوية، وتعد من أبرز مظاهر الحضارة الإنسانية وأشدها قابلية للتبادل والخلود على مر الزمن، ولقد تميزت اللغة العربية بتراثها الأدبي وبلاغتها المشهودة حتى جاء القرآن الكريم في الذروة من البلاغة والإعجاز فزاد من جمالها وأبرز عبقريتها، وتغذت منه فنون الشعر والنثر والحكمة، وانطلقت مواهب الشعراء والكتّاب من جميع الأعراق التي دانت للإسلام ونطقت بالعربية تبدع في كل الفنون بحرية على مر العصور دون حرج، بل إن العلماء القائمين على الثقافة العربية والإسلامية من شيوخ وأئمة كانوا أهم رواة الشعر والنص بجميع أشكاله. على أن القاعدة الأساسية التي تحكم حدود حرية الإبداع هي قابلية المجتمع من ناحية، وقدرته على استيعاب عناصر التراث والتجديد في الإبداع الأدبي والفني من ناحية أخرى، مع الاسترشاد برأي الخبراء والنقاد والعارفين بهذه الفنون، وعدم التعرض لها ما لم تمس المشاعر الدينية أو تؤذي القيم المجتمعية، ويظل الإبداع الأدبي والفني من أهم مظاهر ازدهار منظومة الحرية الأساسية وأشدها فعالية في تحريك وعي المجتمع وإثراء وجدانه، وكلما ارتفع سقف الحرية فيه كان ذلك دليلاً على تحضره، فالآداب والفنون مرآة لضمائر المجتمعات وتعبير صادق عن ثوابتهم ومتغيراتهم، وصورة ناضرة لطموحاتهم في مستقبل أفضل، والله الموفق لما فيه الخير والسداد». أقر علماء الأزهر هذه الوثيقة بأريحية واضحة، على الرغم من اختلافهم مع المثقفين في تحديد مجال تنتهي عنده حرية الإبداع يحتكم إلى جدلية التقبل المجتمعي، وميل المثقفين لعدم وضع أي سقف، الأمر الذي التزمت فيه بالموقف الوسطي الذي يستثني المساس بالمشاعر الدينية أو مجافاة القيم المجتمعية، وتفضل الإمام الأكبر بإعلان هذه الوثيقة بنفسه وطلب مني أن أكون إلى جواره ممثلاً للمشاركين في إقرارها.