شروق المساء يبدأ عند المغيب، نهاية اليوم ليست إلا إشراقة لبداية أخرى، هكذا فهمت من طفل وصف الغروب بالشروق "انظروا إلى الشمس تشرق"، هناك عيون صغيرة تحملنا إلى أماكن أبعد أحيانا من مدى أبصارنا.
كثيرة هي البحوث التي تناقش وتحاول فك رموز الطفل من فكر وسلوكيات، وكأننا يوم لم نكن أطفالا ولم نمر بهذه المرحلة. يعمل الإنسان دائما على البحث عن ذاته، هكذا يفعل الطفل عندما يتعرف على الأشياء يبحث عن الربط بينها فشروق الشمس وغروبها متشابهة لديه، كلاهما بداية لشيء ما. التضاد ليس أمرا ملاحظا أو مفهوما للمفكر الصغير، بل هو حالة يسعى فيه عقله لتفسيرها بصورة متلاحمة.
ودائما ما يستصغر البعض كل ما يتفوه به الأطفال "كلام يهال"، ولا نأخذه على محمل الجد لأننا فقدنا إحساسنا بتلك المرحلة. والحقيقة أن الطفولة كلمة تحمل معها البداية والبراءة والعفوية والانطلاق، وأشياء أخرى لا نفهمها ولا ندركها أحيانا كثيرة.
الغروب عبارة عن اختفاء قرص الشمس عن مرأى العين ليتسلل الغسق وهو بداية ظلمة الليل، حالة ترجمتها معظم قصائدنا العربية بالحزن والفراق، هكذا وصفت نازك الملائكة الغروب "أي معنى هاج في نفسي الغروب ...أجفلت في جسدي منه الحياة وسرى في مسمعي همس غريب ...كله هول ورعب وشكاة". وقال عنه نزار قباني "يبكي الغروب على شرفتي ...ويبكي لأمنحه موعدا".
وغيرهم كثير من المبدعين الذين ربطوا المعاناة والألم بالغروب. ويظل شروق الليل ومناجاته والهروب إلى همسه وسكونه أمر تبحر إليه الخواطر بعيدا عن حالة الغروب التي تعلن عن بدايته.
ولكل غروب شروق في مكان آخر من العالم، فالشمس دائماً تشرق لمن أراد أن يراها مشرقة، هكذا هو الليل يشرق بقمره ونجومه فيستدل الستار على وجهته ومراده، والكل يبحث عن إشراقة تستطيع أن تضيء عالمه مهما كان مظلما.. فقط عليه أن يؤمن بأن هناك شروقا دائما مهما غابت الشمس، وأن النور لا يغيب ولكننا نسهو عنه أحيانا.
نطق هذا الطفل وأشار إلى الشروق لأنه لم ير في الغروب إلا خيوطا من النور تتعلق في السماء، تمد يدها لتعلن عن إشراقة أخرى. شروق وغروب تضاد وترادف لمفاهيم مختلفة في حياتنا ننسجها كيفما أردنا لتغدوا نظرة نشعر بها ونستشعر معها.


ameena.awadh@admedia.ae