عندما نبالغ في الإطراء، فذلك يعني أننا نخفي ما بين السطور، رغبة لرضا الآخر عنّا، نجلب من خلاله إطراء مقابلاً لإطرائنا.
عندما تمدح شخصاً وتكيل عليه كلمات المديح، مثلما يعمل الحفارون عندما يردمون حفرة تم الاستغناء عنها، لقناعتهم عدم وجود ما يبحثون عنه من ماء.
الإطراء، هو فشل في التقييم، وهو كذلك رغبة جامحة في كسب الود، كما أنه يخبئ في معطفه عاطفة مغشوشة لا تنم إلا عن جهل في الشخص الممتدح.
نحن نسعى في الإطراء إلى مسافات واسعة، إلى درجة الإساءة إلى الشخص المراد الإطراء عليه.
عندما نكون في أقصى درجات التفاؤل، نثني على التاريخ ونغرف من بئره، حتى تصل دلائنا إلى المياه الضحلة في البئر، ومع ذلك، نظل نقول إنها مياه عذبة وصافية.
في الإطراء على الأشياء، نحن نتمسك بالصور أو في الظلال، وفي هذه الصور شيء من النمش، لا نراه نحن لأننا متشبثون في خيال الصورة، وليس في أصلها، ونظل نثني ونطري حتى تتعجرف أيدينا من جذب الدلاء الخاوية، وحتى تنشف شفاهنا ونصاب بالتسمم، لأننا خلطنا الضحالة بالنقاء. كما أن تمسكنا بالظلال، يجعلنا نمزج بين الأصل والخيال، وبين الأسود والأبيض، تجعلنا في وضع اللعثمة، لأننا لم نعبر عن الحقيقة كما هي، بل انحرفنا باتجاه جادة مغايرة، وأصبحنا نجتر خيالنا كما تمضغ الشاة العشب اليابس.
من الضروري أن نهتم بما ينجزه الآخر، ونمنحه حقه في الثناء والشكر، لأنه ما من مخلوق لا يرنو إلى الثناء مدافع ومحفز، ولكن عندما يصبح الثناء غاية ذاتية، وهدفاً شخصياً لتحقيق مآرب خاصة، يصبح الإطراء مجرد رغوة صابون فاقد الصلاحية، ونصبح نحن نعجن الهواء ونطبخ الرمل.
عندما يصبح الإطراء مادة صمغية لزجة، تتراكم عليها ذرات الغبار وتخفي شكلها، وتصبح السجادة الحريرية مجرد قطعة قماش تالفة، لا لون لها ولا شكل، تصبح مكباً لنفايات الرغبات الشخصية، تضر ولا تنفع، تحيق ولا تشفع، تمزق شكل العلاقات الإنسانية، وتحولها إلى مراحل ما بعد الفراغ، وتحول الأشخاص إلى أشكال حلزونية، تتدحرج على منحدر الإطراء، الذي لا يضيف شيئاً سوى إيقاف ساعات الزمن عن دق أجراس الفرح الحقيقي.