ما بين 23 أبريل 2009 و 22 أبريل 2010 سيكون مخاض جديد لمدينة بيروت. فقد شاءت منظمة الأونسكو أن تسميها «عاصمة عالمية للكتاب». فليتبارك الربّ: هذا مخاض المدينة. ولكن: عمّ نتكلم؟ وما هي المدينة؟ أين حدودها في التاريخ والجغرافيا والإبداع؟ وأي كتاب ستكون عاصمة له؟ ذلك أن بيروت على امتداد عصورها التاريخية وعلى امتداد خط الزلازل والاجتياحات والحروب الأهلية، كانت دائماً تموت وتنهض من موتها كطائر الفينيق، ويرتسم فوق خرائبها المتراكمة على امتداد العصور قوس قزح جميل من ثقافة وفنون وعلوم ومغامرات إبداعية. فهي ليست أم المذابح والحروب الأهلية واقتتال الشوارع فقط، ولكنها أيضاً أم الشرائع ومدينة الحرية، وأم التنوّع الثقافي والانفتاح على الشرق والغرب، ومختبر العالم العربي بل مختبر العالم. وهي على امتداد عصورها التاريخية شبيهة برفوف مكتبة عملاقة كل رف زمان وعصر. إن الواقع الثقافي لمدينة بيروت واقع صراعي عنيف ومركّب، وهو غير مفصول عن الواقع السياسي، ولكنه أيضاً غير مفصول عن واقع المخيلة واستراتيجية الحلم وكيمياء الفن. وهو بعيد كلياً عن الرومانسية والإعلانية. فلا يكفي أن يقول الشعراء ويغنّي المغنّون: «ياست الدنيا يا بيروت»، بل عليهم أن يقولوا: تعالوا انظروا الدم في الشوارع، ووشم الرصاص على الجدران. فحدود بيروت الثقافية مرسومة بالنار، أكثر ما هي مرسومة بالورود والياسمين. وهي مدينة صراعية ولكن علام يدور الصراع؟ إنه يدور من أجل أن تكون المدينة مفتوحة ومتنوعة من جهة وأن تكون مدينة حرة من جهة ثانية. فهي وإن كانت تطمح وتخطط لأن تكون مدينة فرانكوفونية وأنجلوفونية وساكسوفونية و....... و...... و.......، إلا أنها ملزمة أيضاً أن تكون ذاتها أي مدينة لبنانية عربية مشرقية. وهذه هنا نقطة جوهرية من نقاط الصراع من أجل رسم وجه المدينة. وهي ملزمة أيضاً أن تكون مدينة حرة، والحرية صعبة وذات جمال وحشي كزهرة برية.. فهل إعلان بيروت عاصمة عالمية للكتاب، هو دعوة لتعميق معناها الثقافي على امتداد العصور؟ إنه شبيه بإعلان مجيء الربيع. يقول صلاح جاهين ما معناه: كل عمري أنا حزين، لأنني بانتظار الربيع. وها هو الربيع جاء، فلماذا أنا حزين؟