نخاف من السؤال، ونتخيله وكأنه كهف مغمور في أحشاء جبل شاهق. لا أحد منا يملك جرأة السؤال، حتى على نفسه. نحن سريعو الإجابة، بل إن الإجابة تفترش سجادتها على الشفتين، ولا تنتظر السؤال، هي هكذا تتدفق لدينا مثل الشلال، ولا وقت لدينا في طرح الأسئلة.
نحن وجدنا كي نجيب فقط، ولا نسأل لأنَّ السؤال يشي بالجهل، وعدم المعرفة، ونحن نعرف كل شيء، ونحيط بالأشياء من حولنا من كل جانب، وحدب. لا يعيقنا شيء في معرفة ماذا يكمن في أعماق المحيط، أو ماذا يوجد في أحشاء نملة تدب على صفحة جدار لمنزل الجيران.
الخوف من طرح السؤال مسألة أزلية، مبعثها الخوف من النعت بالجهل. نحن نجيب ولا نسأل، نحن نحيط بشؤون الدنيا وشجونها، ولا يُخفى على بالنا سر في هذه الحياة. لذلك يكثر لدينا المحللون، والمفسرون، كما يكثر لدينا الجهلة، والمسوفون، والمسرفون في الإسفاف، والاستخفاف.
لو طرحنا سؤالاً رياضياً على خياط، أو نجار، أو حداد، فسوف يبدي لنا أراء قد يعجز عن سردها أكبر مدرب رياضي، وهذا ينطبق على حال كل الأشخاص، أنهم مفعمون بدوافع ذاتية، تجعلهم يهابون الأسئلة، ولا يخافون من الإجابة، وكلما اتسعت رقعة الإجابة، كلما توسعت حدقة الأنا، نحن لا نسأل، خوفاً من وصفنا بالجهل، ونحن نجيب على كل الأسئلة، لأننا محملون بكمية هائلة من الأنوات الثقيلة، التي تحملنا بدورها إلى عالم الاكتفاء الذاتي من اللا شيء، والتشبع بالأوهام المعرفية، والدخول في العالم ونحن متخمون بالإجابات، نحن مملوؤون بكؤوس تفيض بالفراغ، نحن منسكبون في العالم مثل السيول، تهدم الأسئلة، ونقيم على أنقاضها إجابات واهية، ونمضي في علاقتنا مع الحياة، مثل علاقة القصاصات الورقية مع الهواء، نطير، ولكن لا نعرف مكان وقوعنا، لا نعرف محطات توقفنا، ولذلك دائماً ما يكون وقوعنا مدمر، والخسائر فادحة.
نحن لا نسأل، لأننا نشعر أننا لسنا بحاجة إلى السؤال، طالما إجاباتنا جاهزة، ومعدة من قبل، نحن أصحاب الأفكار السهلة والطيعة والتي باتت تسكن في أذهاننا منذ ملايين السنين، ولم يطرأ عليها أي تغيير، ولا تغيير يحدث من دون طرح الأسئلة، فهي التي تفتح النوافذ على الهواء الطلق، ليدخل النسيم العليل، وكذلك صوت الطير وهو يرفع النشيد للوجود، ويقول إن التحليق له أجنحة، وأجنحة التحليق هي الأسئلة.