حين نقرأ صحائف وسطور ما دونه العرب خلال تاريخهم عن ابتكاراتهم واختراعاتهم، يصيبنا العجب، ونقول: هل عقمت أمة العرب، وأتساءل لو كانت الأمور كيفما تصفها الكتب، وتسير بها الركبان، لكانوا خلقوا شيئاً لخمرتهم القهوة، خاصة أنهم يقابلونها منذ فجرهم وحتى آخر ليلهم، يقولون فيها القصائد، ويدقون لها المهابيش، ويرحبون فيها بالضيف، واكتفوا بذلك، لا اختراع يجعلون الدلة تصب بضربة «فص» أو يخترعون ماكينة قهوة مثل مكائن القهوة الإيطالية ولا الفرنسية، القناد ينزل بروحه، والسريب يروح في مكان آخر من الماكينة، واحد يريد قهوة شقراء، تصب له الماكينة، واحد يريد قهوة بمسمار، تعطيه في الحال، قهوة عربية تتطور معنا، ومع سرعة دورة الحياة العصرية، بعيداً عن كثبان الرمل، و«محواث الضو، ومشب»، حتى أنه في هذا العصر يمكننا أن نستغني عن المقهوي الذي لا شغل له في الحياة إلا أن ينتظر هزة الفنجان من الشرّيبة أو يلاعب فناجين القهوة بذلك النغم الذي يطرب الأذن.
يعني معقول نظل على تلك الدلال الأرسلان التي نعرفها منذ فجر التاريخ حتى يومنا، لم يتغير فيها شيء، فقط بدل من الصريدان، أبدلوه بـ «كوار»، والدلال هي الدلال، والفناجين هي الفناجين، معقول نحن نتطور وقهوتنا تتأخر، أنه لأمر يحز في النفس، ويثقل عليها، خاصة ونحن أصحاب سيف وكيف.
المقصد من الحديث أن هذه القهوة الصديقة للعرب والتي كرامتها من كرامة الضيف، والتي لا تفارق بيوتنا، علينا الاهتمام بها، وتنشيط ذاكرة العرب من أجل النهوض بها، ورفع قيمتها، وإعلائها بين ثقافات العالم، يعني لازم ننتظر اليابانيين علشان يعملون لنا دلال زجاجية تلمع أو بلاستيكة صامتة، وإلا الصينيين يبتكرون لنا كل شهر دلال «غير شكل ونامونه»، دلال رمضان، ودلال العيد، لذا لنا أن نتساءل أيضاً لولا المهارة الألمانية، وتقنيتها الدقيقة لحفظ الحرارة والبرودة والتي جاءوا بها في الوقت المناسب، وإلا ضعنا، وبقينا لو على «تجلى» دلالنا القديمة التي لا يواحي لها تخوز عن الجمر إلا وتوصل إلى الأيادي باردة، والتي ما نخلي سمرة يابسة إلا وحطبناها لها، وما خلينا صخام ما يبناه على ظهور ركاب وبوش، وكل ذلك من أجل تلك القهوة الساخنة التي هي عزيزة على القلب، وتعدل الرأس، وتجعل الكيف على الكيف.