طيف أمي متعَبة، شحيحة البصر، لا تمشي إلا مستندة على ولد أو حفيد، دائماً يقربني من نهاية العالم. أتذكر أول وداع ودّعتني من بيتنا القديم في مطرح، ملوّحة بيدها النحيلة والدموع تنهمر ساطعة في ظهيرة ذلك اليوم، مؤكدةً عليّ الرجوع السريع وعدم الغياب، الذي اتخذ لاحقاً هيئةَ المأساة بكامل ثقلها وبهائها وعبثها. أما الآن وبعد هذا الزمن الذي يختزل أعماراً، لم يعد للوداع من معنى لديها. لم تعد حتى تعتب.. لقد استسلمت، ذلك الاستسلام النبيل. وأدمنت الغياب الذي صار سمة مشتركة لحياتنا. لا أحد يستطيع الإفلات من قدره الحتمي. لقد قاتلناه وراوغناه لكن في النهاية إلى أين سنصل؟ *** من أين لي أن أفي بذلك الدَيْن الذي صار يثقل حياتي بمشاعرَ باهظة؟ *** هذا القبسُ الذي يعبُر السماء رسالةٌ من نوركِ الأزلي. *** الكتابة كالحب توسع شرنقةَ المكان. تغوص فيه لتستخرج أبعادَه الخفية وتبتكر أبعاداً أخرى أكثر جمالاً. تحوّل القبر إلى فضاء فسيح والحصارَ إلى جنة موعودة. هكذا بقدرة سحرية لا يعود الكائن هو الكائن ولا المكان هو المكان. كم من العلاقات في تاريخ البشر تلاشت إلا تلك التي خلدتها العاطفة والوجدان الممزق. وكم من الأماكن اندثر إلا تلك التي حولها الفن إلى ما يشبه الأسطورة. *** مطر ورياح وفيالق سحب تغري الشياطين بالسباحة في الأفق. *** ذئب يجفل من ظله في الظلام القاتم. *** لا عزاء لأولئك الذين رأوا ذات مرة، ذات دهرٍ، بمنامهم ويقظتهم وبأقصى أعماق وجودهم، ما آلت وتؤول إليه أحوال العالم والبشر؛ حتى لو سَخَت عليهم الحياةُ وهي غير سخية لأمثالهم. *** غالبا ما يكون الحلم عن الأوغاد، حجرُ عثرةٍ أمام الحياة. *** ذلك القاتل المختبئ بين الأشجار، وريث القساة السطحيين. *** كم من الهناء ينعمُ به تيس جبل الكور وهو يغمض عينيه ويفتحهما بعد جلاء السحُب..