في البيت كائن صغير بحجم القلب اسمه طفل، يحتاج إلى صراحتنا كما نحتاج إلى سلامة نفسه وعقله. طفل يعاني كثيراً من اللاءات والهمزات واللمزات، ويكابد الأمرين عندما ينهض ليلبي حاجاته النفسية. نقول له لا ونُصر على أن يتجاوز مرحلته العمرية ويصبح كبيراً. لا نستطيع أن نتجاوز نحن كبرياءنا ولا عمرنا الذي تجاوز مراحل الطفولة بسنوات أو عقود. من هنا تبدأ المشكلة، ويبدأ العجز ومعه الاحتقان فينشأ طفل فصامي، منفصل عن الواقع، يحاول أن يتماهى مع الكبار بتجربة ضئيلة لا تتجاوز السنوات الخمس الأولى، فيضطر أن يكذب ويرغم على كبت ما يبطنه ليظهر مشاعر مغايرة، فيكابر، ويغامر، ويناور، ويغادر مكانه السني ليقف عند ربوة الكبار. لكنه يخطئ كثيراً فيجابه باللاءات، والحنق، والزجز، فيضيق ذرعاً ويتذمر ثم يتطور إلى نسل غريب عجيب بسلوك مريب.
فالكبار الذين يسيئون معاملة الصغار يساهمون مساهمة مباشرة في صناعة جيل مقهور ، مكسور، مدحور، ويخلقون كائناً مشوهاً لا يستطيع أن يشكل سلوكه إلا على غرار الكائنات المتلونة والتي تدس رأسها في التراب كلما صادفت معضلة أو واجهت مشكلة.
في البيوت أسرار، صناديقها السوداء أطفال صغار عجز الكبار عن فهمهم فلجأوا الى الاندثار والتلاشي حتى لا يُفضح أمرهم، وحتى لا ينالوا سوء التعامل، الأمر الذي ينذر بجيل شب على الزجر، فشاب على القهر، وما بين المرحلتين ثقافة بائسة، عابسة، يائسة، لا تنتج غير أعشاب شوكية وخازة مؤذية ومحبطة ومثبطة للآمال والأمنيات.
نحتاج إلى ثقافة جديدة، في البيت والمدرسة، ثقافة تفتح نافذة للأمل، ثقافة تنظف مساحة العقل من منكرات العادة ومعكرات الجادة، نحتاج إلى توظيف طاقات الصغار في الخلق والإبداع واختراق الرواسب وعُقد ما مضى. نحتاج الى مدرسة تنشئ طلابها الصغار على الحوار غير المحقون بالحقد، وعلى تداول الفكرة غير المسجونة بالأنا، المتزمتة والمتعنتة، القابضة على الرأي دون الرأي الآخر. نحتاج إلى أم تقف إلى جانب طفلها، تربت على كتفيه، تشجعه وتدفعه للنجاح في أداء شؤونه الصغيرة، نحتاج إلى أب يعرف متى يؤنب ومتى يدرب صغيره على تشكيل شخصيته في مواجهة المنافسين من أقرانه. نحتاج الى الأشقاء الأكبر سناً أن يكونوا أعضاء مساندين لا أنداداً معاندين في مواجهة مطالب من هم أصغر منهم سناً. نحتاج إلى المجتمع الصغير الأسرة، ثم المجتمع الأكبر المدرسة أن يكون الطريق السالك نحو تكوين رجال أصحاء أسوياء لا تقيدهم عقد ولا تكبلهم أزمات نفسية. نحتاج إلى سلامة الأسرة والمدرسة حتى نجني رجالاً أقوياء الشيمة، أصحاء القيمة.


marafea@emi.ae