ما الجديد في خطاب أوباما التاريخي؟ هذا ما سألته لنفسي، بعد أن خرجنا، وظللت واقفا، تحت ظل شجرة وارفة، أمام كلية الهندسة، منتظرا السائق والسيارة اللذين نفاهما الأمن إلى مكان بعيد في شارع الجامعة. قلت لنفسي: مؤكد أن الخطاب شامل، وأن كاريزما أوباما كان لها ما يشبه فعل السحر على الحضور، وأن طريقته في الإلقاء وتغيير مواضع النبر، وتلاعبه البارع بالوقفات، ما بين ارتفاع الصوت وعاديته، فضلا عن أساليب الخطابة البارعة، سواء في اختيار الكلمة، أو الحرص على إيقاع التوازن بين الأطراف المتضادة، وتموج إيقاع النطق حسب تدفق الجمل التي كانت تؤكد عقلانية التفكير والإلقاء، لكن بما يجعل من الخطاب مجملا من أفعال الأداء الراقي، فلا شطحات، ولا سقطات، ولا انفلات للسان بعبارات غير مسؤولة. كل شيء كان محسوبا بالقلم والمسطرة، والكم المعرفي وطريقة الأداء يوحيان بثقافة يُحسد عليها أوباما. والحق أنني شعرت بالحزن خلال إعجابي بالأداء، وتمنيت أن يكون ربع حكام العالم العربي أو الثمن حتى على هذا القدر الرفيع من الثقافة ويقظة الفكر، والقدرة على الارتجال التي تبدو بعض النص المكتوب الذي كان يطالعه أوباما عبر جهاز إلكتروني متطور، لا يرى الجمهور شاشته وكان عدم الانتباه إلى حضور هذا الجهاز سببا في تصور الكثيرين أن الرجل كان يرتجل خطابا، ولم يكن الأمر كذلك، ولكن حيوية الأداء، والارتجال العفوي المحسوب، أديا إلى إيهام الجميع بأن الخطاب ارتجال. ولفت انتباهي بوجه خاص أن أوباما لم يستعمل الكلمة الإنجليزية المقابلة للإرهاب، قط، وإنما الكلمة الدالة على التطرف، وكان الهدف التمييز بين الإسلام في ذاته والمتطرفين الذين تصل بهم تأويلاتهم الفاسدة إلى الإرهاب. ولفت نظري كذلك غياب الإشارة إلى القوة العسكرية للولايات المتحدة، ومن ثم اختفاء نبرة التهديد التي حلت محلها نزعة عقلية تهدف إلى إقناع العقول بالدرجة الأولى، وأضيف إلى ذلك الشمول، فالخطاب لم يترك قنبلة متفجرة من قنابل العالم الإسلامي إلا وأشار إليها. وبقدر ما كان الخطاب إعلانا لإيران بإمكان إبقاء أبواب الحوار مفتوحة ما ظل استخدامها القوى النووية من أجل السلام لا الحرب، ومن ثم عزم أميركا على إخلاء منطقة الشرق الأوسط كلها، والعالم إن أمكن، من السلاح النووي، وكانت إشارته دالة إلى ضرورة تعايش الأديان الثلاثة في القدس، فكل أبنائها ينتسبون إلى إبراهيم، فما أسهل أن يفهم من هذه المشاركة الموافقة على تدويل القدس، أو العكس، فدلالة العبارة لا تفارق التباسها ولكن ما الجديد؟ سألت نفسي بعد أن هدأت حماسة الإعجاب، وخرجت من مدى التأثير المباشر بالخطاب، بعد أن وصلت إلى منزلي وكانت الإجابة لا جديد، فما استمعت إليه في الخطاب مجملا سبق أن استمعت إليه مفصّلا في تصريحات أو أقوال أو خطب أوباما السابقة، وسألت نفسي هل يكفي ذلك في خطاب تاريخي يتوجه به رئيس، يرمز إلى زمن جديد، إلى عالم ينتظر منه الكثير؟ وكانت الإجابة هي نفسها، فالجديد الوحيد هي الكاريزما وطريقة الأداء العقلاني والمجاملات المتكررة بالاستشهاد بنصوص القرآن لكن ماذا بعد ذلك؟ لا شيء.. لا شيء.