محمد سليمان، غنيت للحب كثيراً، وللحياة أكثر، ودوزنت الأوتار حتى صارت أشجاراً على أغصانها شدا الطير، وناحت حمامات الأيك، مفتونة بخصلات جدلها الهوى، والإخفاق أجنحة جرحها ذاك الفقدان الأليم.
والثكلى معيريض تترقرق موجات بحرها بدموع فراق، حين العاشق نام نومته الأبدية، وهناك حيث تصمت الأسئلة، ويصمت الحب، ويصمت الوتر، ولا يبقى سواك في الذاكرة حنيناً أبدياً، إلى طفولة أسرجت خيول الحلم، والخيال يلفظ لحن الأبجدية، ويسرد قصة أيام، تمشت على ساحل الوجد، مجدولة بأهداب النهايات القصوى لعمر لم تكتمل تفاصيله، ولم يزل في الوقت متسعاً لأغنية جديدة، لحلم جديد يثري دفتر الأيام بحبر الإخفاق، والأحداق، والأشواق، وزقاق كان في البدء، يسفر عن عيون حدقت، واستغرقت في العشق رجفات أتعبت العشاق من فيض الهوى والنوى، وما ساد في الدماء من حرقة الأيام.
محمد سليمان، لقد أطفأ فتيل العمر شعلته، ونام العاشق، واكتفت الأغنية بآخر شهقة، آخر ومضة، وآخر لهفة إلى عينين ربما تكونان قد نسيتا لون ذاك النهار وذاك الرفيف على غصن شجرة، غرد الطير على غصنها، ورفع الوجود نشيده، ولكن تبقى الأيام دفتراً يقلب صفحاته، عصفور القلب، وينبش عن اسم قصيدة لم تزل في الحسبان أجنحة ترفرف على سواحل الفقدان الأليم، وتسرد للآتين قصة لم يبح بها البحر، ولم تقرأها النجوم للقمر، قصة تغزل قماشة العشق من حرير مشاعر ما انطفأ وميضها برغم هول الذي أبرى الجسد، حتى ناخت العظام تحت سطوته، وذاب ملح العظام، من شظف، ومن كلف، ولم يبق إلا أنت، روحاً تهفهف ريانة بالهوى، والنوى، وما جاش في سنوات العمر، يكتبك أيقونة معيريض، وكل أشواقها التي مادت لها الأرض، واستعرت لها بحار التوق، والشوق.
محمد سليمان، أغمضت العين سيدي، وفتحت في أفق الذاكرة، روافد وأنهاراً، وتماديت في تقليب المواجع والفواجع حتى بلغت في الوجدان بيتاً على خاصرة معيريض، لم يزل يعبق بعطر من سكنوا، ومن رحلوا، ومن شيدوا في الوجدان، ألم الفقدان، وأشجان الطير الذي مازال يحلم بعبق السواحل.