نتحاشى الألم ونسعى إليه، ففي غضون الألم تكمن السعادة. لو نظرنا إلى متسلقي الجبال الشاهقة، وهم يحفرون بأصابعهم رقعة السعادة من خلال الألم الفظيع الذي يصيب أجسادهم.
العشاق يسعون إلى الألم من أجل لذة كامنة في التفاصيل، ومن أجل ذروة تفتح لهم في التجاويف المسغبة بؤرة الأحلام الزاهية، وتأخذهم إلى منصات عالية الشأن والفنن.
الطفل الذي يخرج من ظلمة الجوف العميق، إنه في الوهلة الأولى يصرخ، وفي ثنايا الصرخة تكمن الرغبة في استجلاب الفرح، هو ذلك فرح الحرية، والمبيت على مهد ينفتح على العالم، ويسرج خيوله باتجاه الآفاق الوسيعة.
المرأة في وضع الولادة، تصرخ وتئن، وتتشبث بملاءة السرير، وتحاول أن تمسك بزمام الوجود بكل ما أوتيت من إرادة، ويسيح الدمع من عينيها، ولكن في لحظة انبلاج الفجر وبروز الرأس الصغير من بين شرفات الزمن تزم شفتيها على محيا الصغير المدمى بسائل المشيمة، وتمسح على رأس وليدها وتبتسم، وقد تشبعت بلذة وجودية لا حدود لها.
عندما يخطئ الطفل، أو يزل في خطواته وهو يرفل بنشاط تقدم العمر، تسخط الأم وتضجر من فعل قد يضر بوليدها، ولكنها في الآن نفسه تكون ممتلئة بسعادة غامرة، لأنها خلف غشاء الغضب، هناك تستقر السعادة بالامتلاك.
تسهر الأم على إسكات ضجيج وليدها وينتابها الغضب، ولكنها تستمر بالسهر وتستمر بالهدهدة والمناغاة، ويحدوها الأمل بأن يهل صباح الغد وقد ينعم صغيرها بنوم عميق، وهذا كل ما يجعلها تستمرئ التعب، لأنه القارب الذي يأخذها إلى سواحل النعيم، ولذة الامتلاك، والوصول إلى ذروة اللذة المبتغاة.
فلا يمكن لشجرة السعادة أن تنمو وتترعرع وتتفرع وتثمر وتزهر من دون تشققات تحدث في تربة الأنا، فهناك خطان متوازيان، أحدهما الألم والآخر الأمل، ولا تكتمل صورة الوجود من دون هذين الخطين اللذين يصيغان شكل الخيمة التي يسكن تحت سقفها إنسان جُبل على السعي إلى الألم من أجل جني السعادة ولا حدود للعلاقة بين الاثنين، فكلاهما من نبع واحد، وكلاهما من شجرة واحدة، وكلاهما من أصل واحد، وهو أنك كي تزخر بالسعادة لا بد وأن تواجه الألم بأمل، وبحجم ما تتجرع من ألم تجد سعادتك.
هي هكذا الأنا البشرية، تأتي من سقيا الألم، وتنبت من حفر النهايات القصوى للأذى الذي تخفق به الأفئدة كي تورق أغصانها وتخضر، وتزدهر. ولكن هناك دونية ما قد يبتلي بها الإنسان، عندما يصبح الألم هو الهدف، وهو النهاية القصوى للحياة، هؤلاء الأشخاص هم المبتذلون، وهم الساخطون وهم العدميون، هؤلاء وصلوا إلى قناعة أنه لا نهاية للألم، بل إنه الذروة في الحياة، وبالتالي، فإن هؤلاء، يلجؤون إلى قعر سحيق اسمه الإحباط. المحبطون لذتهم في الألم المستديم، وسعادتهم في عدم الوصول إلى السعادة.