بما أننا نندهش إذا رأينا شخصاً ما يعمل على فعل الخير، ويكافح بمرارة من أجل إثبات أنه إنسان خير، ولكن بعد حين من الدهر، قد نكتشف أن هذا الشخص نفسه، قد ارتكب خطيئة لا تغتفر، فتدور حوله الحكايات، والقصص وسوف نجد من يدافع عن هذا الشخص بقوة، ولا يقتنع أن ما ينسب إليه صحيح.
ولكن كيف يمكن للخير أن يصبح شريراً؟ أليس هذا افتئاتاً على إنسان أمضى حياته في عمل الخير، وعندما تحدث جريمة ما، يشار إلى الشخص بأنه هو من ارتكب هذه الجريمة؟ لكل إنسان عقل ظاهر، وآخر باطن ولكل إنسان وجهان، لشخصية واحدة، وهناك صراع دموي يحدث بين الوجهين وهناك تصادم بين الوجهين، وهما في طريقهما إلى الحياة، وربما يستمر الوجه الخيّر في عمله الدؤوب، لمدة من الزمن، ولكن عند نقطة ضعف ما، يحدث الانكسار في عصا الوجه الخيّر، كما يحدث للعصا عندما تغرس في الماء، هنا تبدو الحقيقة وهنا تبرز القوة الدافعة للوجه الشرير، الذي يغرس شوكته في صدر الوجه الخيّر فيرديه صريعاً، ثم يظل يطعنه، ويطعنه إلى أن يصبح جثة هامدة، فيبدأ الوجه الشرير في ممارسة سلوكه الذي فطر عليه، ويبدأ هذا الوجه، يعبر عن مكوناته العدوانية تجاه الخارج، ولا يستطيع الشخص أن يتخلص من نوازعه الشريرة مهما بذل من جهد، لأنه في هذه الحالة يكون قد وقع في القيد.
ما العمل إذن؟ هل يبقى الشرير شريراً ولا مجال للتحرر من القيد؟ بالطبع لا، النوازع المتناقضة تتصادم، ويحل في داخل الإنسان حروب طاحنة، إلى أن تتغلب نزعة على حساب نزعة أخرى، ويصبح الإنسان خيراً أو شريراً، ولكن هذه النزاعات في الداخل هي نتيجة عمل اللاشعور، وإذا ما استطاع الإنسان اكتشاف المؤامرة التي يحيكها اللاشعور، ووضع إصبعه على مكان هذا اللص المختبئ في معطفه الداخلي، فإنه من السهل إرغام هذا الكائن الشرير على الإذعان لأوامر العقل، وبالتالي طرده من حلبة الصراع، وإعداد الكائن الخيّر، ليتبوأ مكانه الصحيح، ويبني جدرانه المنيعة ليصبح هو الحكم، المفوّه الذي يقود مراحل الشخصية الخيرة.
الإنسان هو مالك قراره، وليس قوة أخرى، المهم في الأمر أن يكون واعياً لما يحدث له في الداخل، وأن يدرك أفعاله، ومصدرها.