منذ أن جاءت هذه الجائحة، وحظ الرجال يتقهقر للوراء، وكأنهم الجنس الذي يجب عليه أن ينقرض في غضون القرون المقبلة، أصبحوا فجأة من فئة غير المرغوب فيهم، بداية.. وكأن الـ«كورونا» جاءت متعنية لهم خصيصاً، فهي تأخذ منهم من طارف، لا خلّت صحيحاً ولا متعافياً ولا مريضاً، حيث إن معدل إصابة الرجال يزيد عن إصابة النساء بثلاثة أضعاف، وزاد العَوام على مصيبتهم مع «كورونا»، مصيبة أخرى ألعن، وأظنها من كيد النساء المتحيزات لبنات جنسهن، فبشرن المتعافي من «كورونا» بالعقم، نتيجة مضاعفات بعض الأدوية على خصوبة الرجال، يعني سكّروها في وجوههم، وهم الذين كانوا قبل عام 2020 يحلفون برؤوسهم، طبعاً المسببات جاهزة، «والله من زود جورهم، وطغيانهم على النساء»، «عثرهم يدارون على عمارهم، يتمون يشالون من بلاد إلى بلاد»، «الله غربلهم، أخذ لنا حقنا منهم».
لماذا أصبح الرجال فجأة يشكلون مشكلة في الحياة الراهنة اليوم؟ وما سر هذا التبدل في أسوأ الظروف، وأضيق الحالات؟ حتى غدوا لا يعرفون أين يقبلون بوجههم، لا أرض تقلهم، ولا سماء تظلهم، فإن صادفتهم هذه الأيام، فستعرفهم من سيمائهم، ولا يمكن أن تنعتهم بغير أنهم «المعذبون في الأرض»:
- الرجل اليوم، الحرمة لا تريده في البيت، تشعر أنها فوق الحجر المنزلي، مُلزَمة بأن تقبل بواحد طوال اليوم يزاحمها في مساحاتها الحرة في البيت، ويتبع خطاها في صعودها وهبوطها، وحتى إلى أعز مكان يخصها، وهو مطبخها، لذا تشعر بثقل وعبء وأداة تعطيل تسبقها في مملكتها، أمنيات البعض منهن الطيبات أن يفك الحجز والحجر، وتتخلص من ثقل ذاك الحجر، وأمنيات البعض منهن الشريرات لو استطاعت الواحدة أن ترميه من الجدار أو ترسله إلى أمه بتذكرة غير مرجعة.
- الأولاد لا يريدونه مثل «الرشاد» في البيت دوماً، فهو الوجه القبيح الذي يأمر وينهي ويصارخ، ولا يعجبه العجب.
- الشرطة أيضاً لا تريده في الشارع، رغم أن الشارع هو ملعبه الحقيقي.
- الحكومة لا تريده في الشغل، وهو المتنفس الوحيد له في ساعات الصباح الجميلة، وهو العذر الإجباري الجاهز، والذي لا يناقش حين يقول كلمته المعتادة: «أنا بتأخر اليوم في الشغل»، هذه الأيام يمكنك أن تتأخر، ويمكنك ألا تداوم، خليك في البيت، واشتغل عن بُعد.
- المقاهي لا تقبله، فهي مغلقة في وجهه، رغم أنها مكان جميل وهادئ للهروب، وممارسة الوحدة اللذيذة.
- كل ملاعبه القديمة لا تقبل به هذه الأيام، لا أصدقاء ولا ندماء ولا سمّار ليال، ولا مطارات، ولا مدن، حتى يوم الخميس تبرأ منه!