مرت البشرية في كل العصور بأمراض كثيرة متعددة الأسماء منها: حمى الضنك، الإيدز، السّل، الطاعون، داء الفيل، البلهارسيا، الحصباء...إلخ من الأمراض التي انتشرت بين البشر على مدار السنين، وبعض بقاع الأرض، لكنها لم تنتشر بهذا الاتساع الهائل في كل بقاع الأرض والدول على هذا الكوكب، كما انتشر وينتشر فيروس كورونا «كوفيد - 19» الذي حصد آلاف الأرواح البريئة في كل قارة وبلد، وفرض على الإنسان حجراً صحياً، وعزلة قاتمة لم يخترها حتى المبدعون الذين من صفات سلوكهم اختيار العزلة ليبدعوا إنتاجهم في صمت بعيداً عن الضوضاء. فكل أنواع الإبداع تفرض على صاحبها العزلة، لكنها ليست سوى عزلة آنية اختيارية، يتم فيها المنجز، شعراً كان أو رواية أو بحثاً أو دراسة أو رسماً.
لكننا اليوم وبسبب فيروس كورونا الشرس، يتوجب علينا أن ننعزل في بيوتنا لنحمي أنفسنا وأحباءنا والآخرين من انتقال هذا الفيروس الغاشم السري الذي يعشش في الخلايا بخفاء صامت حتى يستشعر الإنسان أول أعراضه التي صارت تشبه أعراض الإنفلونزا التي كانت تمر بالإنسان عبر تبدل الفصول وتجتازه دون هذا الموت المرعب الذي جاء به فيروس كورونا الذي أعجز كل منجزات الطب وتجاربه المستمرة إلى هذا اليوم، عن إيجاد علاج حاسم يقضي عليه.
ورغم أن كل الدول التي غزاها الفيروس تسعى إلى التحصين بشتى الوسائل التقنية والتعقيمية، ونشر النصائح والأوامر الرسمية والقانونية التي تحفظ الإنسان من الإصابة بهذا الفيروس القاتل الذي لا يعترف بالحدود ولا بالأعمار، والذي سيؤدي إلى الفقر والكثير من الخسائر المادية في أغلب دول العالم بسبب ضعف الإنتاجية والتصدير والاستيراد والاستهلاك اليومي للبضائع التي اعتاد الإنسان شراءها مباشرة من الأسواق، فالعزلة التي فرضت على الإنسان، اتقاءً لهذا الفيروس، أدت إلى إغلاق الكثير من الأسواق والمطاعم، ومنعته من التنزه في الحدائق، وكل مصادر التسلية والرياضة التي اعتاد الإنسان على ممارستها لتزيح ما علق في نفسه من التعب والملل والضجر والاكتئاب.
لكن، في كل يوم، ونحن نتابع أخبار هذه الجائحة الشريرة على كل المواقع الإلكترونية بتعدد أسمائها وغاياتها، ندرك في خفايا أرواحنا وفيض آمالنا وفرحنا بأرقى الوسائل التي تنهض بها بلادنا المباركة، وكل الدول التي غزاها هذا الفيروس الشرس لمكافحته، سنتجاوز هذه الجائحة، وستشفى القلوب التي جرحتها أحزان الفقد، وستعود بنا الحياة إلى منابع السلامة والسلام. ورغم أن التفاؤل ليس سهلاً، إلا أنه راسخ في خفايا الأمل!