أرعبتني تلك التسعينية الفرنسية التي نزعت عن وجهها قمع الأكسجين، لتعطيه إلى طفل مصاب بالكورونا، عجزت الآلة الصحية أن تقدم له الإسعاف الذي ينقذه من الموت.
هذا الإثار، هذا التفاني، وهذا النكران للذات، تخلى عنه الكثير من الأشخاص الذين حاولوا الإساءة إلى الإنسانية، وذلك بنشر عدواهم إلى الآخرين، وتلك العجوز كانت مثالاً لصياغة نظرية إنسانية، جديدة على غرار نظريات، التنوير التي قدمها لنا فطاحل الفكر الإنساني، والتي داستها الحضارة الحديثة، وصارت تموء تحت حوافر آلة البطش، والتنكر لكل ماهو، كوني، وإنساني.
اليوم ونحن نواجه هذا الوباء الخبيث، علينا أن نتمعن في ذلك السلوك الشخصي، والذي انبلج كالفجر من ثنيات امرأة أيقنت أن هذا الطفل الذي ينام بالقرب منها، وقد نهش المرض من رئتيه الصغيرتين هو الأحوج إلى الحياة، كونه لم يزل في أول بريق يشع نحو الوجود، هذا السلوك الإنساني الفريد، ينبهنا إلى أن العالم بكل ما غشاه، من لوثة عقلية، وبكل ما طواه من المادية الشعثاء، فهناك من يرسل إلينا إشارات ضوئية خضراء، تقول إن العالم بخير، وإن العودة إلى النفس المطمئنة ممكنة، ما دام الإنسان قادراً على طرد شيطان الأنانية، وكبح جماح الخيول الجانحة إلى العصف، والقصف، والخسف والنسف.
تلك التسعينية، أثبتت أنها الأقوى من كل مدعي حقوق الإنسان، وكل المزيفين، وكل المتزلفين، وكل المجدفين، وكل المنحرفين، وكل المنظرين، وكل المرتجفين، تلك المرأة أهم من كل النظريات، التي لم تزل جثثاً مدفونة في اللا شعور، ولم تتجرأ الإنسانية تطبيق شيء منها، لأنه حقيقة مجرد نظريات، لم ترق إلى الواقع، وواقع البشرية مبني على الأنا، والنظريات تقول نحن، وشتان ما بين الملح، والسكر، شتان ما بين الحقيقة والوهم، شتان ما بين الكذب والصدق.
حقيقة، نحتاج إلى مثل تلك التسعينية، بنت فرنسا، وسليلة روسو، وفولتير، نحتاج إلى تلك السحابة، التي فكرت في أن تورق شجرة غيرها، لأنها تملك إمكانية الحياة، أكثر منها.
نحتاج إلى تلك التسعينية التي رفضت الحياة، لتنبت حياة غيرها، أكثر احتمالية للاستمرار.
شكراً للذين يضحون، شكراً للذين يعون أن الحياة ليست صراعاً، وإنما هي تكامل، وتضامن، ونهوض نحو جمال المشاعر ورونق الإحساس وروعة التفكير.
شكراً للعشاق، وتباً للكارهين.