تُعَدُّ ميسونُ ابنةُ عبد الرحمن بن بَحْدل الكلبيّ، إحدى أشهرِ السيّدات العربيّات، وقد عثرتُ، فيما لديّ من مصادر، على ما يقرب من خمسين مصدراً يتحدّث عن هذه المرأة الشاعرة التي لم يحفَظ التاريخ لنا من شعرها إلاّ قصيدةً فائيّة واحدة جميلة، ولم يشتهر من أبياتها إلاّ بيتٌ واحدٌ... ولعلّ الذي جعل هذه القصيدة تشتهر من شعرها، مع أنّنا نفترض أّنها قالت قصائدَ أخرى وذهِلتْ عنها الرُّوَاةُ لعدم ارتباطها بحادثة تاريخيّة: أمران اثنان: الأوّل، أنّ النُّحاةَ أُولِعُوا بالاستشهاد ببيتها الشهير: لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَِرَّ عيْنِي أَحَبُّ إليّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ وقد حاروا في تأويل هذا البيتِ وأفرغوا في تخريجه كلّ ما لديهم من براعة واحترافيّة في التعامل مع العبارات الْمُشْكِلةِ الإعراب، من سيبويه إلى المبرّد، إلى الْمُرَاديّ... لأنّ ربْطَ الجملة الفعليّة بالجملة الاسميّة نادر في العربيّة، حيث إنّ نصب الفعل المضارع [وتَقَِرَّ] معطوفاً على مبتدإ [لَلُبْسُ] من أندر الكلام. ولعلّ أحسن تخريج إعرابيّ لهذا البيت أنّ تقدير “لَلُبْسُ” هو: لأَنْ ألْبَسَ العباءَةَ، وأن تقَرّ عيني؛ أو أنَّ “أَنْ” تُقَدَّرُ بعد واو “وتقرّ”، فيكون منصوباً بإضمارها؛ أو أنّ الواو الواردة في قولها: “وتقرّ” ناصبةً هنا للفعل بنفسها، وهو مذهب ضعيف؛ أو أنّ الواوَ هنا عُطِفَ بها الفعلُ على المصدر. ولعلّ التقدير الأقرب إلى العربيّة المفهومة: لأنْ ألبَسَ عباءةً، وأنْ تقرّ عيني، أحَبُّ إليّ... وأمّا الأمرُ الآخرُ، فإنّ ميسونَ اشتهرت حياتُها بأنّها كانت زوجاً لمعاوية بن أبي سفيان، وأمّاً ليزيد بن معاوية، وأنّها تضايقتْ من العيش في دمشق في بيت الخلافة، فقالت قصيدتها تشكو فيها من سوء حالها، وشقائها في نعيمها، وضِيقها بانحباسها في قصر مُنيف، فأبدت اشتياقَها إلى حياة الحرية والبساطة في البادية حيث نشَأَت، وانزعاج زوجها من ذلك إلى حدّ الغضب عليها حيث لم يتردّد في طلاقها. ويقال: إنّها لم تقُلْ من الشعر ما قالت إلاّ بعد أن تزوّج عليها معاوية، فكانت ميسون شاعرة حسّاسة فلم يكن ما كانت فيه من النعيم والبذَخ يُرضيها، مع وجود ضَرّة تشاركها بيت الزوجيّة. وقد سرَح الأَخباريّون بأخيلتهم فذهبوا في شأن زواج معاوية بميسون، ثمّ طلاقه إيّاها مذاهبَ شتّى. وكانت ميسون قويّة الشخصيّة، راجحة العقل، فائقة الجمال، فكانت تقرّر رأيَها بنفسها، فقد دخل عليها معاوية يوماً ومعه خادم خصِيّ فاستترتْ منه، فقال لها: ما هذا برجل، وإنّه لَخَصِيّ، فأَظهِري عليه، فقالت: كأنّ مُثْلَتَكَ به تحلِّلُ له ما حرَّم اللّهُ عليه منّي، وحجبَتْه عنها. وتذكر بعض الأخبار أنّ ميسون بقِيَتْ ثلاثة أعوام في دمشق مع معاوية، حيث أنجبت له يزيد، وبنتاً تُوُفِّيَتْ صغيرة، إلى أن قالت الأبيات التي تمجّد فيها البادية، وتشكو من حالها في قصر بعْلها، فعذَلَها على ذلك وذكّرها بأنها كانت قبلُ تلبَس العباءة، ثمّ طلّقها. فعادتْ إلى مَسقَِط رأسها، إلى باديتها الجميلةِ التي عشِقتْها حيث تُوُفِّيَت زهاءَ سنة ثمانين للهجرة.