كانت المراكز الصيفية وما تزال هي المفجر الحقيقي لمواهب الطلاب المزحومين بكتب المناهج التقليدية، الغائب عنهم كل نشاط لا منهجي، فعلاقة الطالب بالمدرسة معدومة، بل هي شبه غائبة، هي في الأصل علاقة طالب بفصله، وحصته فقط، حيث لا يصدق الطالب متى تنتهي الحصة، ليفر من الجدران الأربعة إلى ساحة وفسحة المدرسة، ولا يصدق متى ينتهي من الامتحان النهائي، حتى يمزق الكتاب والدفتر، مدارس زمان على رغم بدائية الأشياء، كانت هناك حصة للموسيقى وحصة للفن من رسم ونحت وأعمال خشبية وخط، هناك جماعة تهوى الزراعة، تخرج إنتاجها آخر السنة ، وتكون منتوجاتها ضمن المهرجان السنوي للمدرسة، هناك جماعة المسرح المدرسي، وجماعة المكتبة، وهناك الإذاعة المدرسية، وصحافة الحائط، والفرق الرياضية المختلفة، الآن بالكاد أسمع أن هناك نشاطاً مدرسياً غير ممنهج، أو أن هناك وقتاً لدى المدرس، يمكن أن يتخلى فيه عن تدريس مادته، ويرّغب الطلبة في رحلة إلى معلم حضاري أو جغرافي، أو يذهب بهم إلى السينما لمشاهدة فيلم متميز، أو يحضر معرضاً فنياً مقاماً في المجمع مثلاً، أو تتفق المدرسة مع فندق في المنطقة الغربية، بسعر ميسر لقضاء يومين، والتعرف على ليوا، فجل طلابنا يكبرون، ويربون لحى، ولم يزوروا منطقة يقرأون عنها، ولا يعرفونها. أصبحت اليوم العلاقة بين الطلبة والمدرسين، لا بين الطلبة والمعلمين، أما مدير المدرسة فتخلى عن دور الأب، ليصبح موظفاً في وزارة التربية والتعليم، أو تابعاً لمنطقة تعليمية بعينها، إذاً في ظل هذا الجو المصنّع، وهذه العلاقة التي فقدت بريقها، لم يكن هناك متسع لطلابنا إلا المراكز الصيفية بتعددها وتنوعها، والتي تحرص الوزارة بالتعاون مع جهات مختلفة في الدولة على إقامتها خلال عطلة المدارس، لعلها تنبش من بين طلبة الصفوف المدرسية من ترى فيه موهبة أو إبداعاً أو تنمي مهارة معينة فيه، حتى غدت هذه المراكز ملجأ للطلبة، وحصن أمان لذويهم، لأن المراكز التجارية فاتحة أبوابها، وهي أكثر من المراكز الصيفية، والمقاهي شاغرة كراسيها، وكل ما يساعد على المشي البطّال جاهز ومغر وميسّر، ولأن المراكز الصيفية التي تقيمها الوزارة تتكرر كل عام، فالمفترض أن تكون قد استطاعت أن تتخلص من كثير من التراكمات السلبية، وعمّقت تجربتها، ورفدتها بكل جديد وحديث. حتى البرامج الصيفية عليها أن تكبر مع الطلاب، وتتنوع من صيف إلى صيف، لأن المواهب لا يمكن أن تخرج من الصف المدرسي، عادة ما تظهر بعد أن يقرع الجرس، ويكون الفضاء متسعاً للفرح واللعب والطيران والشرود والأحلام الكثيرة. في هذا الصيف لا نريد أن نسمع أن الباص خربان، وأن نقل الطلبة إلى المراكز سيكون على حساب الأهل، وفي سيارات الأجرة التي تملأ الشوارع، أو أن المسؤول المالي مسافر إلى الخارج، ولا بد من أن يعتمد بنفسه تشغيل ثلاثة باصات زيادة أو أن خط سير الباص لا يمر بهذه المنطقة، وإذا تريدون ولدكم يتعلم خلو "الدريول إييبه" أو انقلوه إلى مركز قريب، وليس شرطاً أن يتعلم هذا الصيف برنامج الرياضيات الياباني باللغة الإنجليزية، خلوه يلعب "مسطاع وإلا كيرم". لا نريد أعذاراً واهية، والله طلبنا من الوزارة، لكنها هذه السنة مقترة علينا، يقولون الميزانية مضغوطة، أو أن الوزير طالب بنفسه ما يتحرك باص إلا بـ" شوره" لماذا حين نعمل شيئاً جميلاً، نجد ألف يد كسولة تمتد لتعيث وتعبث في الموضوع، وتشوهه؟!