الكورونا أوقع العقل البشري في ثقافة سوداوية مأساوية، والناس جميعاً يعيشون تحت وطأة الجائحة اللعينة، ولا حديث ولا خبر ولا تحليل ولا تفسير إلا حول هذا الوباء، وجميع الناس، صغاراً وكباراً، أصبحوا فلاسفة وأطباء وخبراء وعلماء، أصبحوا في وضع التقييم والتقويم لما يحدث وما يستجد في العالم، حول الكورونا.
ونستطيع أن نقول إنها صدمة حضارية ألمت بالعالم، وأنها الشرخ الذي أصاب الوجدان البشري، فالإنسان الذي كان يتصور أنه صعد أعلى الشجرة، ولن يصيبه أذى الضواري، أصبح اليوم أضعف من جناح بعوضة، ولا يستطيع مواجهة هذا الغزو اللا مرئي، وينتظر متى تتفتق قريحة العلماء والمختصين، ويتم إنتاج اللقاح الفاعل والناجز، ويتم القضاء على الوباء الفتاك، ولكن ما يؤمل وتشخص العيون في انتظاره ليس بالأمر الهين، أو الممكن حدوثه، وهذا ما يزيد من العصاب القهري، ويضاعف من الإحساس بالضعف أمام كائن جبار ومخيف لا يخشى لومة لائم.
وأعتقد أنه لا بد وأن يتمكن العقل البشري من قهر هذا الوباء، لأنه من طبيعة البشر قبول التحدي، ومواجهة الصعاب مهما كانت جسارتها وصرامتها، وهذا هو سبب طبيعي في قدرة الإنسان على الصمود في مواجهة الكوارث الطبيعية، ولكن ما لا يمكن زواله هي الآثار النفسية التي سيخلفها وباء الكورونا، لأنه لا محالة، فقد أنتج ثقافة جديدة على مختلف الصعد، سواء في ثقافة الطعام أو التسوق، أو العلاقات الاجتماعية، أو في مسألة الحياة في المنازل، والتعامل مع الماء والصابون ومواد التطهير الأخرى.
نحن الآن نتحد عن عصاب قهري أصاب العقل، وأصبح الناس لا يفارقون الكمامات ولا المطهرات ولا القفازات، وبعد انقشاع الغمة، سوف يحدث فراغ نفسي، وسوف يشعر الإنسان من الصعوبة مغادرة ثقافة اكتسبها بحكم الظرف، وعليه أن يستغرق زمناً كي يعتد على الحياة الجديدة.
ثقافة الكورونا، هي ثقافة قسرية، ظرفية، ولكنها لن تغادر العقل لمجرد تلاشي الوباء، بل سوف يظل من رمالها ما يملأ العيون، وسوف تترك في اللاشعور الجمعي ما يعيق الحياة العادية لفترة قد تطول أو تقصر حسب الأثر النفسي الذي ستتركه لدى الأشخاص.
ثقافة الكورونا ليست بمجملها سيئة، ورب ضارة نافعة، فهناك من العادات التي اكتسبها الناس جراء حدوث هذا الوباء، ما هي مفيدة، ولازمة للإنسان، لأنها تعيده إلى طبيعته، وتخرجه من عادة اللامبالاة.