قد يوحي عنوان المقام أن القارئ أمام شرح أو نقد لفيلم سينمائي في زمن تلفزيونات الأبيض والأسود. وقد يدل على نقل قصة خرافية حدثت في أزمنة أسطورية.. والأمر ليس كذلك .. القصة واقعية، والحكاية من البداية حتى النهاية أننا في بلدان الخليج العربي استوطننا الحلم الجميل، والعشق النبيل للإنسان أياً ما كان، وكانت الحياة تمضي على أجنحة فراشات لونت حياتنا بالحب، والانتماء إلى الكون بكل أجناسه، وألوانه وأطيافه.
لذلك عندما نسمع أو نقرأ عن قصة مأساوية تذهب ضحيتها إنسانة جاءت لتقدم خدماتها بشرف وهمة من أجل أن تعيل أسرة تحتاج كثيراً إليها وإلى ما تحصده من مال مقابل عملها، فإن المشاعر تتغير، والقلوب تتفطر، والفكر يصاب بالضجر، فمثل قصة الخادمة الآسيوية التي أصابها وابل التعذيب، ثم الدفن في اسطبل، ثم دهس جسدها من قبل زوجين خليجيين تصيب الإنسان بالمرارة، كون الأيدي الجانية من صلب هذا الخليج الأغر، ومن ترائب الأرض التي أنجبت الأفذاذ والأفاضل. ونشعر بالأسى، كون الأخلاق في هذا البحر العريق بقيمة تصاب بشوائب وخرائب من لوثتهم الظروف، فخرجوا عن النص، مشوهين الوجه الحضاري لأبناء المنطقة متعسفين بالعادات والتقاليد ذات الشيمة والقيمة والشكيمة.. ما جعل القضاء في تلك الدولة الخليجية المعروف دوماً بنزاهته أن يقطع دابر المشكلة بإصدار حكم الإعدام على الزوجين الآثمين، أولاً دفاعاً عن حق إنسان بريء ومغدور، وثانياً للجم الأصوات التي قد تستثمر مثل هذه الجريمة لتشويه سمعة البلد الذي اتصف دوماً بالعدالة والحرية واتسم بأخلاق الدين الحنيف.. هذه الجريمة التي يستنكرها كل ضمير حي ينبغي أن تكون درساً وموعظة لمن يعتقد أن قهر الخادمة أمر مبرر كونها “خادمة”، وينبغي حكم الإعدام أن يكون جرساً يعلق في أعناق الناس، ليصحيهم ويعلمهم أن قيم أهل الخليج العربي قدست حقوق الإنسان، واحترمت وقدرت كل ألوان الشعوب دون استثناء أو إقصاء أو احتقار.. فمن يخدمك هو عامل أو موظف له من الحقوق كما عليه من الواجبات، وأول الحقوق احترام آدميته، وعدم المساس بمشاعره وما يفعله بعض المتهورين و”البطرانين” هو أمر مناف للأعراف والتقاليد الإنسانية، ومجاف لحقيقة الضمير الإنساني في هذه المنطقة بالذات التي تربّت وترعرعت على أخلاق التعايش والانسجام على مدى الأزمنة..
أهل الخليج العربي، عرفوا الحقوق الإنسانية قبل ظهور المنظمات والهيئات التي تنعق يومياً وتصدح بأبواق هادرة عن حقوق الإنسان - أهل الخليج العربي امتدت أشرعتهم ومخرت سفنهم أقاصي البحار قبل أن يعرف فاسكو ديجاما تلك المناطق وساروا وجاوروا وحاوروا وأبحروا بمشاعرهم تجاه حب الآخر واستطاعوا أن يبنوا أجيالاً كاملة في مجال التواصل مع تلك الشعوب، لذلك فإن أي انحراف عن تلك القيم السامية فإنه يصيبنا بالأسى ونعده جريمة نكراء قبل أن ينعته غيرها..

marafea@emi.ae