لا أحد يوازي العربي في عشقه للمطر وفرحته بالفصول التي تأتي بالسحب والغيم والغيث، إنه إنسان مجبول على حب الحياة من خلال حب الماء والسقيا والرحمة/‏‏‏ المطر، والأرض العربية على اتساع رقعتها علَّمت هذا الإنسان العربي أن الماء هو الحياة، وأن المطر هو الزهو والخير والنماء، وأن الله يرحم عباده ويحيي الأرض ومن عليها من ماء السماء. ولعلّ هذه الصورة والرؤيا وهذا الحب بنيت من خلال المقارنة بين الصحراء وجدبها وقسوتها، والمطر والحياء الذي يبعثه في كل شيء.
ومن أدرك فترات هطول الأمطار الدائمة وانقطاعها أعواماً طويلة، خاصة في الجزيرة العربية، يعرف قيمة وأهمية المطر وأثره في البلاد والعباد، وعلى حاشية المطر وأثره في الأرض تخرج حياة جديدة، وتزهر نباتات لا تنبت إلا عندما تطول فترة المطر وترتوي الأرض تماماً، فتتحول الصحراء إلى شيء آخر وحياة أخرى جديدة، حتى الأعشاب والنباتات تختلف عن تلك التي توجد في الفصول الشتوية العادية. هذه الظروف والمرات التي تكون فيها عطايا السماء دائمة وطويلة، تقدم لنا صورة جديدة قد لا تحضر إلا في فترات بعيدة، وقد تصل إلى سبع أو عشر سنوات وأكثر، وقد لا يعرفها الكثير من الشباب والصغار. لا أحد مثلاً من الشباب الجدد يعرف أو شاهد النباتات الصحراوية التي كان يعرفها أجدادهم، الكثير لا يعرف أنواع الفقع، ولا نبات «الطرثوث أو الدغبوس أو العريون أو الزانون»، وقد لا يعرف الحميض أو شجرة اليعدة التي تنبت في الجبال والسهول.
وأيضاً لا يعرف حيوانات وحشرات الصحراء، وقد لا يعرفون أن للصحراء أزهاراً ووروداً جميلة ورائعة لا يمكن مشاهدتها إلا عندما يكون المطر غزيراً ومستمراً لمدة طويلة، للصحراء أيضاً خنافس جميلة وعجيبة، زاهية وبديعة مثل بنات المطر، بالإضافة إلى طيور الصحراء من كروان وقطا وعصافير تزين تلك الأرض، تغرد للربيع وتضع بيضها في السيوح أو قمم الأشجار أو تحتها، المطر وحده يخلق الحياة ويزهو بالأرض ومن عليها.
يقول الشاعر الماجدي بن ظاهر في السحب والمطر:

لفاها طــــــــروق مشــــــع البـــــــــروق ** تمج الشـــدوق ســـحاب هطيل
سرى من المغيب ســحاب رغيب ** بثنو الخصيب خصـيب محيل
هشوش ســــحابه ومدني حجابه ** وإذا هاض ما به فله نســـــتخيل
وهـــــــدّ الســواري وغبــــا الأثـــاري ** وأكسى المجاري بخير فضيل
هروق يــــــروق ويحــــــيى العــــــروق ** تولــــوه أمـــــــلاك نعـــــــم الوكيــــــــــل