قبل أكثر من سنة، هل توقعت الناشطة اليمنية توكل كرمان أن تتبوأ مشاعر الناس في بلادها وأن تحصد نوبل للسلام.. بالطبع لا أعتقد ذلك، ولكن إذا كان الناس يصنعون أوطانهم، فإن الأوطان تخيط نسيج المستقبل للأشخاص وليس من الغريب أن تفرح كرمان متوكل بظفر شعبها وتنادي الجميع أن يتخلوا عن الزعيق وينتبهوا للوطن ولمصالحه وخدماته ويختاروا طريق السلم في الحوار لاستلام جائزة التفوق بجدارة، محققين بذلك أماني الشعب الذي واجه الموت من أجل الحياة.
الأوطان بحاجة إلى حناجر تحميها، وتقي مكتسباتها من شرور الخراب والاحتراب والاضطراب، وما تخبئه بعض الضمائر الخربة من قنابل موقوتة. الأوطان بحاجة إلى أبنائها الفرحين، المتفائلين، المنضوين تحت لواء الحب والانتماء بصدق وشفافية بدون مواربة أو حرية.. الأوطان بحاجة إلى من يعشقون الحياة بتقديم الأرواح سخية لأجل الحفاظ على منجزاتها وردع كل متشائل متسلل، متعلل بأهواء وأدواء، ومصائب ما تهب به عواصف الشر، وما تقذف به خواسف الضر، الأوطان بحاجة إلى عيون تغسل بدموعها آلام الآخرين، وقلوب تحرك بنبضاتها مشاعر المتخاذلين، وإرادات تبث وثوب الجياد نحو غايات الأمل.. الأوطان بحاجة إلى عقول لا تضمر شراً، وقلوب لا تتأبط عسراً.. الأوطان في زمن تتلاطم فيه الألوان والأشجان، بحاجة إلى وعي بأهمية الانسجام والالتئام وإلى خطوات جامحة تكسر حواجز الخوف من الاقتراب من الآخر ويمد الأيدي إلى آخر مدى وبامتداد التضاريس وسعة الفضاء..
الأوطان ليست بحاجة إلى زعيق ونهيق ونقيق، بقدر ما هي بحاجة إلى صوت يتسرب إلى النفس فيحيي الوجدان وينعش الأشجان ويزيح عن كاهل الأوطان ما تخثر وتعثر وتبعثر على مر الأزمان.. الأوطان بحاجة إلى مزيد من الصفحات البيضاء ليكتب الجميع الحروف الهجائية للأوطان بخط واضح لا لبس فيه ولا غموض ولا انحدار إلى باطنية فجّة تثير الاشمئزاز.. الأوطان بحاجة إلى شعوب تفكر كيف تعلم أبناءها وكيف تدفع عن كاهلها أسباب الفقر والمرض، والجهل هذا الثلاثي الرهيب، والذي من أسبابه تمزقت أوطان وتفرقت وتبددت وتشتت قدرات وطاقات ضاعت في خضم ضغائن ومحن.. الأوطان بحاجة إلى وثبة ضمير تحرك الخلايا والنوايا وتوجه العزائم باتجاه الخروج من صهد أيام العرب.
الأوطان بحاجة إلى وعي بما يتربص وما يتلصص وما ينتظر الفرص السانحة لكي ينهض وينقض ويحقق مصالح على حساب مصالح ويفتك ويهتك ويأكل الأخضر واليابس ولا يدع لأصحاب الحق غير “الخشاش”.. الأوطان بحاجة إلى قيم جديدة تغير مفاهيم وتعيد للنفوس توازنها بعد سنوات من الاختلال والزلازل.
الأوطان بحاجة إلى المشي بتريث تحاشياً للكبوات والعثرات والنظر بإمعان إلى العالم من حولنا لأجل أخذ الصبر.. الأوطان بحاجة إلى خارطة سلام جديدة كما هي خارطة كرمان متوكل ليمن المستقبل عين السلام والوئام، عين البناء والانتماء، عين الصدق بلا نزق..


marafea@emi.ae