أحلام خالد
دخلت نسمة هواء صيفية إلى غرفة الانتظار الجافة، وظل خالد يراوح مكانه ظاناً أن الحب يمكن أن يتسرب من بين الشقوق ويأتي ملوناً بظلال الشمع ومعطراً بكلام الحقيقة والاعتراف. لكنه انتظر طويلا في فراش الكسل ليستيقظ مستلذاً بدغدغات الشمس وهي تشدّه من سرير الأمل إلى روتين الوظيفة التي قيدته في الركض وجعلت من رؤاه مجرد مستحيلات لا يطالها الواقع. نهض خالد ونقش اسم حبيبته في جدار الصبر وودّع الفكرة وانحاز وهو في طريقه إلى العمل إلى تأجيل عرسه حتى تتناسب الظروف غير المتناسبة. في يوم أربعاء موحش، اصطدم خالد بحديقة بيته وانهارت على سيارته شجرة الانتظار بثمارها الرطبة الملساء وتفتت عش الغراب الذي يحرس أحلامه الغامضة. قال لنفسه: أنا في الحلم زهرة عطشى حتى القلب. ولكن الفراشات تمتص الحنين من العروق الجافة وتخدش الرؤى حين تتجمل بالمراوغة، وأظن أن الفراشات تتلون لأنها تغار من الورد. إنها تظهر في كل حلم على شكل خليط لوني لتصل إلى لوحة الفنان الواقعي الحالم أن يده ريشة مقطوعة من جناح نسر حر. وأن الريشة في الأصل قلم وأن القلم في الأصل عصا يهش بها الراعي على قطيع الكلمات ويرسم بها على الرمل دوائر فارغة من المعنى تتلاشى في الريح وتتآكل في الرمل. وخالد لا يكل من الأحلام، يمد يده في الفراغ ليصطاد الحقيقة لكنها تعود فارغة وخاوية، ويمد يده في النور فتعود ملوثة برسائل الأبرياء المنادين بصحوة الضمير ويقظة العقل، وخالد كان يريد أن يلوّح لحبيبته وهي تغادر خيمة الرحيل، والى الناقة التي حملتها إلى فضاء الصحراء البكر في كتب التاريخ. وسمعناه مرة يصرخ: ايتها الكلمات البرية احرسي قصيدة الفراق واجعلي العشق المحرم رسالة صلح بين العقول المتناحرة. لكن حبيبته تلاشت في الغموض ولم يجد لها الشعراء أثرا في الدروب أو القلوب وربما ماتت. وخالد كان يحلم أيضا برؤية البحر من نافذة في الطائرة، كان يراقب ظل الطائرة وهو يجتاز حدود الأعداء بلا متاريس أو تفتيش، ظل مستقيما لكنه لا يشبه النهر، ومرتفعاً ارتفاعا وهميا ولكن لا يصل للغيمة أو النجمة. وكان خالد يرى أحلامه مكتوبة في روايات المسافرين بلا عودة واسمه منقوشا في جدار المحطات التي تشققت في انتظار قطار الوصول، ولكن لا أحد يصل في الحلم ولا أحد يرجع في الحقيقة. أخيرا خرج خالد من حلمه ودخل ملعب النسيان سعيدا مع النائمين في الحرب. واليوم حين تراه يمشي مشلولا في ممرات المتاهة ستدرك أن الحب معجزة قاتلة وأن المصير خطوة لم تبدأ بعد.
akhozam@yahoo.com