لو أعطاك أحد يديه فأعطه قلبك، ستكونان في الوجود قلباً بيد، ويداً بقلب، وسوف تصبح الحياة شجرة وارفة، ثمارها من حب وأطيارها من عفوية، وأعشاشها من دفء.
تصور أنك في بيتك، وقد اجتمعت الأيدي والقلوب على طرف، وطرف، ماذا سيحدث؟ سوف يصبح السقف الذي يطوي الأجساد والأرواح، سماء تزينها نجوم الألفة، وتصير الجدران أنهاراً تسقي أشجار القلوب، والأرائك أرضاً منبسطة معشوشبة بسنابل الوعي بأهمية أن نكون أحياء، ونحب الحياة، ونسعى إلى تأثيثها بمشاعر لا يخبو وميضها ولا ينطفئ نورها.
نصبح جميعاً أجنحة للتاريخ وأشرعة للتضاريس، فلا تعيقنا عقبة ولا تعرقل مصيرنا كأداء نكون في الوجود سحابة بيضاء نثها سلسبيل، وحثها خير السبيل، وبثها عطاء جزيل.
عندما نعطي أيدينا للآخر، نكون قد تخلصنا من أصفاد الأفكار المسبقة، نكون قد تحررنا من أغلال الفكرة البائسة، نكون قد عبرنا النهر من دون رجيف أو تكليف، نكون قد أنجزنا مشروع الوجود من دون قنوط أو سقوط في الحفر السوداء، عندما نعطي أيدينا للآخر، فلا يعني ذلك الانقياد، بقدر ما هو سيادة منطق الفطرة، والإيمان بأن الآخر هو نحن ونحن هو الآخر.
عندما نفهم هذا المعطى، فإننا ندركه، وعندما ندركه نحبه، وعندما نحبه نكون نحن هو وهو نحن، نكون في الوجود واحداً.
المشكلة في الأصل تكمن في كيف نحقق منجز الإندماج في الوجود، وعندما ندرك ذلك نكون قد خرجنا من عنق الزجاجة، نكون قد وصلنا إلى السماء التي نحبها، والتي أنجبت كل هذا التسامي، وحققت وجودنا على الأرض، هذه الأرض التي ما احترق لها غصن، ولا ذابت بذرة، إلا بسبب ذلك التورم، وذلك التأزم، بفعل «أنا» خرجت عن عقالها، وتشردت في منافي التصهد، واحترقت ذوائبها بفعل الإحساس الدائم بوجود آخر متربص وبغيص. عندما تعي الأنا أننا لا نستطيع أن نعيش من دون الآخر، مهما اشتد لهيب جحيمه، نكون قد غادرنا منطقة الخطر، ونكون قد سددنا الرمية الأخيرة لخوفنا من الآخر.
فعندما تكون يدنا على قلب الآخر، وليست على قلوبنا نكون قد أحبطنا مخطط الأنا الواهم، ونكون قد كسرنا حاجز الصوت، ووصلنا إلى الآخر ونحن صفحة بيضاء من غير سوء.
ولكن ما الذي يجعلنا نمد أيدينا من دون رجفة؟ إنه الحب، هذا الكائن العملاق الذي لا تطاله إلا أيدي الذين آمنوا بأن الحب هو شجرة الخلد، وأنه الباقي، وما عداه يذهب جفاء.
ما يحدث في غرفة الكون الوسيعة، ليس إلا هو هذا الجفاف العاطفي الذي يطوي قلوب العالمين، ويمدهم بأعواد الثقاب اللاسعة، ليصبح الحريق أوسع من محيطات العالم.
لنعمل سوياً على صناعة أيد غير أيدينا الملوثة بالدماء، ولنعمل على صياغة أفئدة غير هذه المصابة بروماتيزم التيبس، فسوف ننتصر على طغيان الأنا، وما لها، وما عليها.