القارئ المراوغ، اقتراح ترجمة بالعربية لعبارة بودلير بالفرنسية hyprocrite lecteur، وهي الجزء الأول في نداء الشاعر الفرنسي للقارئ حيث يشبهه بنفسه ويناديه بأخيه.. والعبارة المأثورة كاملة، هي التالية: hyprocrite lecteur, mon semblable, mon frere «أيها القارئ المراوغ «الخبيث» شبيهي يا أخي».. والحال أن هذه العبارة أشارت بالكثير من الذكاء والعبقرية، لطرف طالما كان مهملاً أو سلبياً في المعادلة الإبداعية للشعر، وهي المعادلة التي تفترض طرفين ومعطى أو رسالة: الشاعر «المرسل» والمتلقي «المرسل إليه» والرسالة أو القصيدة.. فغالباً ما كان يتم التركيز على الطرف الأول المرسل وهو الشاعر، باعتباره أصل الرسالة ومبدعها، وبالتالي فهو سيّد القصيدة، وقديماً قيل رب الشعر أي سيد الشعر، أما القصيدة ذاتها فتأتي في مرتبة ثانية، لأنها فرع من الأصل.. وفي آخر شوط المعادلة يأتي القارئ أو المتلقي أو الآخر.. لا باعتباره عاملاً حيوياً في تلقي دفقة الإبداع، قادراً على استيعابها وتوليدها من جديد، بل باعتباره وعاءً سلبياً منفعلاً بالنص وغير فاعل فيه. جاء البنيويون والألسنيون، فأعطوا النص الإبداعي بذاته، وبمعزل عن صاحبه، قيمة تركيبية بنائية ولغوية تكاد تجعل منه قيمة موضوعية خالصة، وهم حين فصلوا النص عن كاتبه وعن قارئه ومنحوه قيمة خالصة ومطلقة، فإنهم عبثوا بركنين من الأركان الثلاثة للعملية الإبداعية الفنية.. حتى لكأنهم شيّأوا النص الإبداعي وسلبوه شبكة الأعصاب التي من خلالها عبر إلى الوجود، ومن خلالها أيضاً تفاعل مع الوجود. بإعادة الاعتبار للقارئ أو المتلقي من خلال اعتباره ينطوي على الحيل الإبداعية ذاتها للكاتب، وباعتباره شبيهاً له، بل أخاً يتقاسم وإياه خبز القصيدة ويشربان معاً كأسها الواحدة، تمت إعادة وضع الهرم الإبداعي على قاعدته، بعد أن ظل فترة من الزمان قائماً، إما على رأسه أو نائماً على ضلع من أضلاعه.. وهذه المسألة أي إحكام الالتحام بين المبدع والإبداع والمتلقي، تمنح العملية الإبداعية خصوبة توليدية، وتصل ما انقطع من التواصل البشري في وقت واحد