في منجزه الجديد (معجم الغاف في دولة الإمارات) يتمشى الباحث، والكاتب الروائي سلطان العميمي، على رمل الصحراء، مقتطفاً من ثنيات غافتها ثمرات وجد ووجود، ويمضي في وجدان الشجرة المباركة، وكأنه الطائر المحلق فوق سمائها، المحدق في شموخها، متألقا، متأنقا، متدفقاً، متناسقا، مترقرقا، بلغة، تشف بالمعاني وغزارة الحلم الصحراوي، وعمق الدلالة، ويأخذنا بأناة، وتؤدة، إلى ذاك الذي يسكن في الحنايا والنوايا، ومزايا الارتباط المشيمي الذي اتسمت به مشاعر الإنسان الإماراتي وهو يحث الخطا باتجاه مهجة الغصن، وشغاف الجذور الراسخة في القلب، والدرب، والصخب والخصب، ويسجل ببراعة المبدعين المخلصين لرائحة الرمل الذهبي، وذائقة الثمرة اليانعة.
سلطان العميمي، استطاع من خلال هذا المنتج الاستثنائي أن يقدم للقارئ، ما كانت تشدو به الغافة من شجو، وما كانت ترفعه من نشيد كوني، أغرى الطير، فمنحه لغة الطيران، وألهب مشاعر الإنسان، فوهبه نبوغ الصفاء، والسخاء، والعطاء، والوفاء، والانتماء إلى الكثيب الخضيب، ومد خطوات الركاب، كي تشيع أشواقها، بين المضارب، والمناكب، في مواكب سرت ليلا، وأسرت عن لواعج ومناهج في الحب، حتى أصبح الوجود لحناً سماوياً يرتله من كانت غايته تلوين الحياة بالفرح، ووضع ثمرات البهجة، على أغصان من كانت حياتهم، مرسومة بإرادة لا تلين، وعزيمة لا يخضها خضيض، ولا يرضها رضيض، ولا يمضها مضيض. هكذا نقرأ كتاب معجم الغاف للمبدع سلطان العميمي، إنه تقص في
محتوى الشجرة، التي كانت في المعنى الموئل، والمنهل، وكانت الفصل، والأصل، وكانت الفاصلة، والبوصلة، وكانت رمش الصحراء، مكحلة بعشق من هاموا ونسجوا الشعر أبياتاً من وجيب الرمل، وعقيدة الرمل. كانت الغافة، سحابة الأرض التي ظللت الرؤوس، وكللت النفوس بأحلام أزهرت، وأنورت، وازدهرت، وأثمرت، وأينعت، وأفصحت، عن حصافة الصحراء وبلوغها، ونبوغها، ورسوخه في وجدان الإماراتي، كما أنها النجوم في السماء، وكما أنها الموجة على كفوف السواحل الغراء.
هكذا جال بنا سلطان العميمي، في رحلة عبر شغاف غافة الصحراء، شجرة الخلد، بذرة الأنام في واحة الذاكرة التي لم تزل تسدي بوعي لا ينضب معينه، رغم انفتاح الآفاق على بريق الحضارة، يقول لنا سلطان العميمي: إن الغافة هي الظل، وهي الخل، وهي الجزء، وهي الكل، وهي المد والمدى، وامتداد أفق العشاق، وهي المنطقة ما بين الرمش والرمش، وهي اللغة التي لم تزل تثري معجمها بما تمتلكه من أصالة، وفحولة، وهي الجذلى بأنفاس من هفهفت جدائلهن، ما بين غصن وغصن، وما بين شجن ولحن. شكراً لكاتبنا، ولجهده المميز.