أنغام من الماضي تعزف على وتر الحنين بمجرد أن تتناهى إلى مسامعنا، سواء انتمينا إليها أو لم ننتم، يكفي أنها تقلب صفحات الأمس. أنغام تذكرنا بالأتربة العالقة على أقدامنا، وبخطواتنا المتعثرة، وبالسعادة في ذلك الماضي القريب، وربما هي الأصوات التي تثير فينا ذلك الحنين رفضت أن تغادرنا حتى بعد غياب أصحابها. غفر الله لطارق عبدالحكيم الذي غادرنا في الأيام الماضية، ذهب وترك لنا أصواتا وإيقاعات تخفق بها ذاكرتنا بمجرد أن نلمح أنفاسها. وهكذا هي الحياة توقفنا لبرهة كلما سمعنا عن أشخاص غادرونا ولم يبق لنا سوى ذكراهم. رحل طارق ومن قبله رحل الكثير، ولا أعلم، لم أشعر أننا نحيا الماضي في الحاضر، بمعنى أن هناك روحا من الأمس تحوم في الأجواء، ربما هو الحنين الساكن في وجداننا، كانت قريبتي كلما التقينا تذكرنا بجلسات الماضي، لتنقلب جلستنا إلى شريط مصور مليء بالذكريات التي يعبر كل منا عنها بطريقته، إلا أن هذه القريبة لا تعبر فقط بلسانها بل بعينيها الممتلئتين بالدموع "أتذكرون عندما قلت "ملل" في إحدى جلسات السمر، جاءني الرد أنني سأندم على جلستنا تلك وسأتمنى أن تعود". مرت سنون طويلة على تلك الواقعة وفي كل مرة تعيد لنا هذا الحديث، ويبدو أنها بالفعل نادمة وجعلتنا نندم معها، وعلى الرغم من ذلك أشعر بها وهي تحكي تلك الواقعة، تصلني الحسرة التي تخنقها، والدموع التي تجتمع في عينيها، وكيف تحاول أن تخفيها، أعلم بأنها تتمنى أن تعود تلك الجلسة بكل ما فيها، وتلك الاجتماعات للأهل والأصحاب، الكل موجود حولنا بدون أي اعتبارات أخرى سوى الرغبة في الجلوس معاً. هكذا أصبحنا نعيش الأمس باليوم، ذكرى وحنين، يشعله أي خبر أي صوت، أي لحن، أي شيء يمكنه أن يذكرنا بالماضي وأيامه، نأسف على وداع المبدعين الذين ارتبطنا بهم وبأعمالهم، غادرونا وبقيت أعمالهم تذكرنا بهم، وبالزمن الذي تألقوا فيه، المبدعون والوقت والشجن الموجود لدينا كل هذا يجعلنا في حالة من الحنين المزمن، فنحن شعوب ارتبطت بكل ما حولها بعواطفها، وهذا ما يجعلنا الشعب الأكثر تميزاً عن غيره. نغوص في أنفسنا، ونجد أننا نبحث عن السكينة، هناك من يراها في الغد، وهناك من يظن أنها ضاعت في الأمس، ولكن عندما يعود طيف الماضي، ندرك أنها هنا موجودة في دواخلنا ولكننا نتحسر على أننا لم ندركها في الأمس ولم نسع إليها اليوم، ونتأمل أن نجدها في الغد، على الرغم من أنها موجودة ولكن ما زال البحث جاريا. ameena.awadh@admedia.ae