بين أفيون الدين وأفيون الكرة
سادت في أوساط المثقفين الشيوعيين في زمن سابق أو بين أولئك المنتمين للفكر الماركسي مقولة إن «الدين أفيون الشعوب» وكره الإسلاميون الماركسية والشيوعية لأنها تمجد الإلحاد ولا تعترف بالله واعتقدوا أن هؤلاء كانوا يقصدون الدين الإسلامي تحديدا، خاصة أن للاتحاد السوفييتي تجربة قمعية بل ودموية في أرجاء الجمهوريات الإسلامية التي ضمت للاتحاد بأكثر الأشكال ديكتاتورية، مع ذلك فلابد من القول إن العبارة تتسع كثيرا لتشمل ما هو أكثر من الدين الإسلامي، وأظن أنها قد تتسع لتشمل كل ما يقود إلى استلاب الجماهير ونزع صفة الموضوعية عنها، فإذا استلبت أو استسلمت الجماهير لفكرة ما من دون أن تعمل عقلها فيها اعتبروها أفيونا لا فرق في ذلك بين الدين - عندهم - وبين الماريجوانا وكرة القدم.
ففي الوقت الذي اعتبر ماركس أن الدين أفيون الشعوب، نظر المثقفون (المتزمتون) لكرة القدم واستلاب الجماهير إزاءها فاعتبروها أكثر أفيون تم توزيعه على مستوى العالم تحت حراسة قوى الدول وبتمويلها وتشجيعها، بينما لو أتيح لجدتي أن تضع نظرية مثل ماركس لقالت إن التليفزيون هو أفيون الشعوب، وستزيد والدتي على ذلك فتعتبر أن أفيون اليوم هو الموبايل وكل مواقع التواصل ووسائل الاتصال الحديثة، ما يعني أن لكل زمان شعوبا و«أفيون» على ما يبدو!
وهنا يأتي دور المؤسسات والمبادرات التي تقدم البدائل - هذا إذا اعتبرنا أن الجماهير تذهب لأفيونها الخاص بسبب انعدام بدائل أخرى - إن المؤسسات المجتمعية والمبادرات وقادة الرأي والمثقفين الذين لا يكفون عن توجيه اللوم والنقد للناس وللحكومة لا يقدمون البدائل الأفضل الموازية في القوة والمضادة في الاتجاه أو التوجه، فإذا قدموها فإنهم غالبا ما يطرحون بدائل على مقاس خياراتهم وتفكيرهم وثقافتهم وتوجهاتهم، لاغين تماما عامل الاختلاف بينهم وبين الشباب الصغار عديم الثقافة والخبرة والمندفع للعب والمتعة بحكم العمر، أما البعض الذي يغازل وجدان هؤلاء ويطرق على الوتر الحساس فيهم فإنه يدخل لعقولهم من بوابة الدين، وليته الدين المتسامح النقي، دين الفطرة السليمة لكان ذلك مقبولا لكن ما حدث وما يحدث هو تقديم بدائل دينية بمفاهيم جهادية وتكفيرية متطرفة، تلغي الآخر ولا تعترف بالاختلاف ولا تحترمه !
لابد من التأكيد أن هناك مبادرات مختلفة تقدمها الدولة، ويقدمها بعض المتنورين كمهرجانات الثقافة ومشاريع وجوائز الكتب والنوادي الرياضية وأندية الكتب المتعددة اليوم والتي تشهد إقبالا على تبنيها كفكرة والإقبال عليها من جانب الشباب الصغار من محبي القراءة وأصدقاء الكتاب، لكننا نطالب بالأكثر وبالتنوع، وبتعميم الفكرة في كل الإمارات، لأن الملاحظ أن هذه الخيارات متمركزة في دبي لاعتبارات معروفة وفي أبوظبي والشارقة وربما بشكل بسيط هنا وهناك في بقية الإمارات، ولذا وجب الانتباه إلى أن هناك جيلا من الشباب الصغار نريده أن ينمو بثقافة وعي الذات، ووعي الاختيار، ووعي التفكير الإيجابي والبناء ، وعي لا يجعل هؤلاء ضعاف الحجة أو مستلبين إزاء عارضي الأفكار والبدائل أيا كانت بضاعتهم، فلا فرق بين الاستلاب أمام كرة القدم والاستلاب أمام حجج التيارات التكفيرية أو الإعلام المبتذل، كلها تهدم الوعي وتشظي العقل والإرادة، ونحن بحاجة ماسة جدا لهذا الجيل فأمامنا مستقبل وتحديات بحاجة لجيل متماسك، واعٍ، وغير مستلب !
ayya-222@hotmail.com