ربما كانت الإنسانية بحاجة ماسة إلى زلزلة ترج الأرض من تحت أقدامها لتستعيد الوعي المسلوب بفعل المفارقة التي صنعتها قماشة الأنا الممزقة، إثر طوفان الغطرسة والكبرياء المزعوم، واليوم وبعد هذا الاجتياح العنيف لجائحة العصر، وبعد أن صحا العالم على جثث موتاه، والضحايا الذين ذهبوا جراء هذا الوباء اللعين، اتسع الوعي البشري، وتجاوز حدود الأنا، كما تجاوز حدود الدول الوطنية والانحيازات المريضة والانزياحات اللا واعية تجاه قدرات وهمية، وإمكانيات فردية خيالية.
اليوم يفتح العالم عيونه على واقعة أليمة تشير بالبنان إلى أن الحقيقة هي أن نكون معاً، وأنه مهما بلغت الدول من قوة مادية وتكنولوجية وعسكرية تبقى في معزل عن القدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية منفردة، ولا بد وأن تتحرر من التقوقع والتمترس خلف أوهامها والرجوع بالعقل إلى طبيعته التي جاء منها، ومنها انبثقت قوته.
فلا قوة ولا قدرة يمكن أن تهزم قوى الطبيعة، إلا التضامن والوحدة والإيمان بأن وحدة الوجود مرتبطة بوحدة الأهداف
ووحدة الأهداف، مشمولة بوحدة الإمكانيات وكل من يغرد خارج هذا السرب يبقى طيراً تائهاً، يجوب المجهول فيصطدم بالهزائم المنكرة، ويمنى بالفشل الذريع في مجابهة ما يعتريه من أوبئة وكوارث ومصائب ونوائب وخرائب ومواكب.
البشرية اليوم مدعوة بحرص وحذر إلى مائدة الوعي بأنها بكل اختلافاتها وتنوعها الحضاري والثقافي والعقائدي والعرقي هي في نهاية الأمر من دم ولحم ونوع واحد وأن ما يصيب قُطر من أقطار العالم هو بالضرورة سيكون في صلب المحنة البشرية جمعاء، فلا جنسية، ولا هوية للأمراض، والعواقب الكونية واحدة، كما أن البشرية جسد واحد.
اليوم البشرية وهي تقف مذهولة مما حدث حيث أمضت عقوداً وقروناً من الزمن، وهي تخلع ملابس الوحدة، وترتدي قميص الفرقة، والتناقض وتمارس لعبة النأي بالنفس عن الآخر، هذا الآخر الذي لا يبعده عن غيره سوى تعاريج الجغرافيا والتواءات الحدود والتضاريس، الأمر الذي يستدعي هبة عقلية ووحدانية واحدة تعيد الفطرة البشرية إلى مكانها الصحيح وتؤرخ لزمن جديد لا تعيقه عقيدة ولا تعرقله نزعات الأنانية.
اليوم وليس غداً، مطالبة بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح حتى نهزم المرض النفسي قبل كل الأمراض، والتي هي لا محالة سوف تزول إثر زوال الأسباب النفسية.