كثيراً ما نظن أننا على حق، وأن كل ما نفعله يتماشى مع الحقيقة، ظن هتلر أنه على حق، حتى أشعل حربين عالميتين، راح ضحيتها الملايين من بين البشر، وكانت النهاية المأساوية انتحار هتلر المهزوم.
واعتقد بول بوت أن ماركسيته هي الطريق للنجاة من نار الرأسمالية، فأعدم ثلاثة ملايين من الشعب الكمبودي، لمجرد أنهم اعتمروا القبعات، وانتحر هيمنجواي الروائي الأميركي العظيم، لمجرد فشله في الانسجام مع الحياة الغربية، وعاش نابليون على خبز النفس المتضخمة، وانتهى به الأمر في عزلة على أرض جزيرة نائية.
وهكذا تظل النفس الصورة المغايرة للحقيقة، عندما تغطس في المياه الضحلة التي تتدفق من الأنا، فلا يرى المرء الحقيقة، وإنما يبدو له نصفها الملآن بالخدع البصرية، فيذهب إلى الحياة مخفوقاً بالصور الخيالية المبهرة، والتي تخلب لبه، وتسلب قلبه، فيصبح بلا قلب، فقد يرتكب أشنع الجرائم والأخطاء، من وحي أنا مخادعة، وعقل أصبح في عهدة هذه الأنا، ولا يملك قرار الخلاص من صورها الوهمية.
يفعل الإنسان ذلك، وهو في كامل نشوته الذهنية، ويستمرئ أفعاله على أنها الحقيقة الصادقة، ولا حقيقة غيرها، هذه التشوهات تصيب الإنسان عندما ينعزل عن واقعه، ويصبح مثل طائر خرج من السرب، وانتمى إلى الفراغ اللا متناه، الأمر الذي يجعله ينتحل الحيل الدفاعية، والإسقاطات اللا واقعية، في سبيل إثبات أنه على حق، وسواه على خطأ، ولا يتم اكتشاف الخطأ إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن تتسرب المياه المالحة، في جوف الآبار العذبة، وبعدها لا جدوى من كيل اللعنات على ما حدث.
في الجانب الآخر، يفكر الإنسان في خداع الآخرين، ويبذل الجهد لإثبات صدق ما يقدمه من أكاذيب، ولكنه في أغلب الأحيان يخيب ولا يصيب، لأن الكذبة مهما زينت، ولوّنت، وأضيف إليها من مساحيق التجميل، تظل كذبة، هي مثل الوجه القبيح لا تغير من حاله الأصباغ والألوان، لأن الحقيقة كامنة، والكذبة مجرد مسحوق أبيض، يزول مع زوال اللحظة.
ولكن يظل المدلسون، والمدجلون، والمتزلفون، يعجنون ويطحنون الأكاذيب، ظناً منهم أنهم يمتلكون قدرات لا يمتلكها سواهم، وهذه خدعة من خداع النفس، يسقط في حفرتها السوداء المخادعون.