تلوح في الأفـق بوادر أزمة حديد جديدة في السوق بعد فترة هدوء استمرت أكثر من سنتين، فالارتفاع المفاجئ الذي طرأ على الأسعار الشهر الماضي وما أحدثه من إرباك في صفوف المقاولين والمستثمرين، ناهيك عن الشكاوى من وجود شبهة “سوق سوداء”، تنذر بمشكلة قد تتفاقم في المستقبل القريب في حال استمر الارتفاع وعاد النشاط إلى قطاع الإنشاءات والمقاولات.

أسعار الحديد في السوق المحلية قفزت في أقل من أسبوعين بنسبة 50% ليصل سعر الطن إلى نحو 3 آلاف درهم، وهذا يعيدنا إلى أجواء الارتفاعات في صيف العام 2008 عندما سجلت الأسعار مستويات قياسية غير مسبوقة، قبل أن تهبط بفعل انكماش الطلب.

لا أحد ينكر الأسباب العالمية التي تفسر الزيادة الأخيرة في الأسعار الناجمة عن ارتفاع الطلب على السلعة في السوق العالمية، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الخام، غير أن هنالك مبالغة من قبل بعض التجار والمنتجين في السوق المحلية الذين يتعمدون تخزين كميات ضخمة من الصلب وإشاعة حالة من نقص المعروض في السوق، لتحقيق مكاسب سريعة.

التغير الكبير في أسعار الحديد سيترتب عليه بطبيعة الحال ارتفاع في تكلفة البناء، وهو ما يهدد قطاع المقاولات الذي لا يزال يعاني تباطؤ النشاط إثر تداعيات الأزمة المالية العالمية، كما أنه يحد من دور القطاع في المساهمة بالنهضة التنموية، ويدفع العديد من المستثمرين إلى إعادة النظر بمشاريعهم تخوفاً من أي ارتفاع جديد، وتجنباً لمخاطر تقلب الأسعار.

من جانب آخر، فإن الارتفاع الكبير والسريع في أسعار الحديد قد يعرض ميزانيات مشاريع البنى التحية والعمرانية للعجز بنسب مختلفة تعود لطبيعة المشاريع المخطط لها، حيث تم وضع ميزانيات المشاريع للعام الحالي بناءً على تقديرات ومستويات أسعار الربع الأخير من العام الماضي.

وعلى صعيد المستهلكين الأفراد الذين يسعون إلى بناء الفلل السكنية، فإن هذه الفئة ستواجه مصاعب تعرقل استكمال مشاريعها، بعد أن حصل العديد منهم على تسهيلات بنكية وفقاً للأسعار السابقة وسيكون من الصعب عليهم تأمين مبالغ إضافية لتعويض الفارق في مستويات الأسعار.

تحذيرات المقاولين بضرورة تدخل الجهات المسؤولة لضبط الأسعار والحد من المضاربات المتوقعة، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ما يتطلب تفعيل آليات حقيقية تحدد السعر العادل لحديد التسليح بما يرضي جميع الأطراف وينهي شبهات التلاعب بالأسعار.

وفي ظل صعوبة التدخل المباشر للسيطرة على الأسعار انسجاماً مع آليات اقتصاد السوق الحر الذي يحكمه في النهاية العرض والطلب، فإن الجهات الرقابية بالدولة مطالبة في هذه المرحلة بالتحرك السريع من خلال إصدار نشرات إرشادية لأسعار بيع مادة الحديد، حيث تكون بمثابة مؤشر للسوق توضح الأسعار الحقيقية للمشترين.


عمر الربايعة
omar.rabaia@admedia.ae