غالباً ما كنت أستغرب وجود عبارة صغيرة تذيل بطاقات الدعوة لحضور احتفالات ومناسبات رسمية، وتقول «الحضور بالزي الوطني أو الملابس الرسمية» سواء تلك التي تقيمها وزارات أو دوائر أو مؤسسات حكومية وعامة أو حتى السفارات المعتمدة لدى الدولة، قبل أن أدرك معانيها ودلالاتها، بأنها تذكير المدعوين بمسؤولياتهم في حسن تمثيل الجهات التي يمثلونها، ليس فقط بالمظهر وإنما المسلك وحسن التصرف.
استعدت ذلك بينما كنت أتابع الجدل والنقاش الذي ثار حول حفل أقامته مؤخراً إحدى الجهات العامة في دبي بسبب التصرفات التي شابته وبعض الضيوف ممن لا علاقة لهم بطبيعة عمل تلك الجهة من قريب أو بعيد.
هذا الجدل والنقاش -الذي أعتبره صحياً- طالما كان في حدود وإطار أدب الحوار عبر عن تبلور وعي يجسد غيرة على صورة مؤسساتنا الرسمية، وتقديمها بالصورة اللائقة بها وبالجهود التي تقوم بها لخدمة المجتمع على أكمل وجه. وحمل غيرة كذلك على المال العام الذي يصرف على شركات خاصة لتنظيم الحفلات لا تفرق بين تنظيم مناسبة لجهة رسمية، وأخرى لحفل فني أو فعالية مجتمعية أو عرس. بل حمل السباق المحموم بين هذه الشركات ظاهرة جديدة تتعلق ببيع وتداول قوائم كبار الشخصيات والأعيان والنجوم ومتابعة دعواتهم، وشملت مؤخراً من باتوا يعرفون بالمؤثرين أو «نجوم السوشيال ميديا»، والكثير منهم مجرد فقاعة صنعتها دعاية مشوهة ووهم سماسرة «متابعين» في التجارة التي انفضحت حول بيع وشراء المتابعين.
ما جرى يضع أقسام الاتصال والعلاقات العامة والمراسم في المؤسسات الرسمية وحتى الخاصة أمام مسؤولياتهم في حسن الاختيار، وإعداد برامج احتفالات مؤسساتهم من الألف إلى الياء، بما في ذلك ترتيب أماكن جلوس الضيوف، خاصة أن الكثير من تلك الفعاليات تشهد حضور بعض الرموز الوطنية وكبار المسؤولين، مما يسبب في بعض المواقف حرجاً للمنظمين بسبب تصرفات فئة من الحاضرين.
شركات «مقاولات الفعاليات» أو «الايفنتس» انتشرت كالفطر، مستفيدة من الكم الهائل من المناسبات والفعاليات التي تشهدها البلاد على مدار العام، وهو ما يواكب الزخم الذي تشهده الساحة المحلية على الصعد كافة الاقتصادية والرياضية والسياحية، ناهيك عن المعارض والمؤتمرات المتخصصة، وفي غمرة حماسها للتنظيم تختلط عليها الأمور، ولا يحول دون أي سقطة لها سوى يقظة مسؤول حريص يذكرها بالفرق بين تنظيم حفل غنائي واحتفالية رسمية.