عندما تجد موظفاً غاضباً، فاعلم أنه مقصر في عمله. ليس هذا الكلام إجحافاً في حق الموظفين، بل هي حقيقة وواقع. لا يغضب الإنسان إلا عندما تنازعه رغبات داخلية تريد أن تبرر موقفاً ما، أو تتذرع بحجة، كي تخفي مركب نقص. الإدانة صفة أساسية لكل عاجز، وكل مقصر، وكل متسرب، وكل متهرب من الحقيقة. عندما لا يجد الموظف ما يقدمه، فإنه يحيك القصص الخرافية حول مكان العمل، وحول من يدير العمل، وحول من يشاطرونه العمل. لا يوجد إنسان في العالم يعترف أنه مقصر، إلا ذاك المثالي وذاك الشخص الاستثنائي، وهذا الشخص عملة نادرة في زمان البشر. فكل منا يقول للآخر أنا ابن جلا، وكل منا يقول للآخر بيدي العصمة لا بيد غيري، الأمر الذي يستدعي من كل شخص أن يعد العدة، ويجمع كل ما لديه من قدرة لغوية، ليفيض بها ساعة الحساب ويقول للآخرين حين الإحساس بالتقصير، لولا هذا المدير لكنت من أنجح الموظفين. لو أنيطت مهمة لشخص، وفشل في أدائها، فلن يعترف بفشله، بل سيحيل الأمر إلى أطراف خارجية، ويقول لك، لولا تدخل بعض الزملاء في عملي لكنت أنجزت المهمة بنجاح باهر. أو يقول لولا إلحاح المدير المستمر لاستطعت تحقيق نتائج مدهشة أو يقول النجاح يحتاج إلى أدوات نجاح، والمؤسسة أو الدائرة لم توفر ما يساعد على النجاح. وهكذا تستمر كتل الإدانة، وتتراكم الأعذار، وفي الثنايا يبرز الغضب، كوسيلة للتعبير عن إبراء الذمة. لا يستطيع أحد أن يخرج بنتيجة إيجابية من موظف انغمس في الهروب من الواقع، وجنحوا إلى جادة تخفيه، كما تخفي أخطاءه، إنه العقل البشري المراوغ، وإنه الإنسان الذي أنزل الأفكار من علِ، وسار بها يتخبط في طرقات العبثية واللهو، ليقول إنه جادة الصواب التي لا اعوجاج بها، ولا انحراف، إنه الإنسان الكلي في كون لا يحترم إلا الكليات. هذه هي سمة الإنسان الغاضب، وهذه هي كتلته الذهنية التي تتورم كلما فشل، وتتأزم كلما وقع في الحفرة، وتتشرذم كلما انفجرت في داخله الشظايا والنوايا والرزايا، هذا هو الإنسان عندما يكبو أو تتعثر خطواته، فإنه لا ينظر إلى داخله، بل ينصت إلى صوت آخر يأتيه من منطقة اللاشعور، ليقول له أنت الصواب، وغيرك الخطأ. أنت الحقيقة وسواك الوهم. فيضحك، ثم يسخر، ثم يُعقد الحاجبين، فيكفهر وجهه، فيزعق، قائلاً: أنت على خطأ.