أعلنت إحدى الجهات الحكومية عن حاجتها لمواطنين من أجل شغل وظائف متوافرة لديها، وقد كان من بين الشروط التي وضعتها في الإعلان المنشور في الصحف المحلية، “ضرورة أن يكون المتقدم للوظيفة حاصلاً على دبلوم (3 سنوات) بعد الثانوية العامة في علوم الإدارة أو ما يعادله، وإن لم يوجد، فدبلوم (سنتان)، فإن لم يكن متوافراً، فشهادة الثانوية العامة، كما يفضل من لديه إلمام بلغات أجنبية بجانب اللغة الإنجليزية (الفرنسية أو الإسبانية أو الروسية)، وأن يكون حاصلاً على رخصة قيادة سارية المفعول من الدولة”. فالوظيفة التي يخيل للمرء أن المؤهلات المطلوبة لها خاصة بمهمة في بعثة للأمم المتحدة مثلاً، لم تكن سوى وظيفة “سائق خفيف”!.
ربما يقرأ البعض من هذه الشروط المشددة، حرص الجهة الطالبة على توظيف “سائق نوعي” لمهنة يرى آخرون أن رأسمالها مجرد رخصة قيادة أو “ليسن”، بينما نرى فيها انفصالاً عن واقع سوق العمل، الذي يشير إلى اتجاه من يحمل هذه المؤهلات للالتحاق بوظائف أفضل ذات راتب أكبر ومزايا أفضل في هيئات محلية وشركات قابضة كبرى من ذوات” البونص” المعتبر، ومنها ما تقدم، وبأقل من اشتراطات الجهة الطالبة للسائق، راتباً شهرياً قد يصل لأربعين ألف درهم!!. وغيرها من الامتيازات والمزايا.
واقع ملحوظ وملموس في سوق العمل، وبالذات في هيئاتنا المحلية والشركات الكبيرة في العاصمة التي استقطبت أهل الكفاءات والخبرات، ومعهم سواد كبير من غير المؤهلين، الذين وجدوا أنفسهم في مواقع برواتب لم يتخيلوا أن يحلموا بها في أكثر أحلامهم الوردية، وهناك من يرى في نوعية هذه الاشتراطات مقدار المنافسة الحامية في السوق، على قاعدة البقاء للأصلح، وهي لا ترجح لصالح العنصر المحلي، خاصة مع وجود مواقع تتكاثر فيها جنسيات معينة تكاد تكون لها السيطرة الكاملة على مسألة التعيينات ومسائل التوظيف، تسد الأبواب في وجه الآخرين من غير “التابعين”، وهذه مسألة واضحة للعيان، ويعاني منها الخريجون الجدد.
ودخلت على الخط في السوق، شركات التوظيف التي أصبحت أداة من أدوات التحايل على برامج “التوطين”، خاصة عندما رفعت بعض الدوائر والهيئات الحكومية شعار “لأجل الربحية”، وتوسعت مؤسسات أخرى في الاستعانة بخدماتها، وخدمات ما يعرف بـ”الصب كونتر” أو المقاولين من الباطن، وأفرز دخول مكاتب وشركات التوظيف المجال، ممارسات لم تكن معروفة في السابق، كطلب “رسم تقديم” من أجل “ضمان جدية المتقدم”، وإذا وصل الطلب لنهايته السعيدة بقبول المتقدم، يجري مساومته حول ما سيتقاضى، رغم أن الجهة التي سيعمل فيها قد حددت الراتب والمزايا مقدماً لشركة أو مكتب التوظيف.
ومن يتابع ملاحق التوظيف الموزعة مع الصحف المحلية الصادرة باللغة الإنجليزية، سيدرك سيطرة تلك المكاتب والشركات الأجنبية عليها، ويقرأ في تفاصيلها شروطاً مجحفة تستغل حاجة المتقدمين.
وأعتقد أن الوقت قد حان لتدخل الجهات المعنية لوضع ضوابط خاصة للتوظيف في الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات التابعة لها، بعيداً عن مكاتب تنظر للأمر من زاوية تجارية بحتة، لخدمة مصالحها، وهي غير معنية بتوجهات استقطاب العنصر المحلي وبرامج التوطين وخدمة المجتمع.


ali.alamodi@admedia.ae